كتاب الطهارة
  عن ابن عباس، قال: سبق الكتاب الخفين(١).
  فقد دلت هذه الأخبار على ما ادعيناه من إجماع الصحابة على مراعاة التقدم والتأخر فيه؛ لأن أمير المؤمنين قد راعى ذلك، وكذلك عمر وابن عباس وعمار وعائشة، وكان ذلك من عمر بمشهد من سائر الصحابة، واشتهر ذلك ولم ينكره منكر، ولم يقل أحد: لا وجه لمراعاة التقدم والتأخر فيه، فوجب بذلك أن يكونوا قد أجمعوا عليه؛ فإذا ثبت ذلك وثبت أن المسح كان قبل المائدة بشهادة من شهد من الصحابة كأمير المؤمنين # وابن عباس وعائشة، ولم يرو عن أحد منهم أنه كان بعد المائدة - ثبت أن الآية ناسخة له.
  فإن قيل: إن النسخ يجب أن يكون بين الشيئين إذا كان بينهما تناف، فأما ما يصح الجمع بينهما فلا يصح القول بأن أحدهما ناسخ للآخر، ويصح الجمع بين المسح والآية، فيقال بالمسح في حال لبس الخفين، وبحكم الآية في حال انكشاف الرجلين.
  قيل له: هذا غلط بالإجماع؛ لأنه لا خلاف أن صوم يوم عاشوراء نسخ بصيام شهر رمضان، وصح القول به لما دلت الدلالة عليه وإن لم يكن بينهما شيء من التنافي على وجه من الوجوه، فكذلك القول بأن الآية ناسخة لأخبار المسح يجب أن يصح القول به؛ إذ قد دلت الدلالة عليه، على أن الجمع بين الآية وبين خبر المسح لا يمكن إلا برفع بعض الحكم(٢) الذي يقتضيه ظاهر الآية وإن كان ذلك على وجه التخصيص، وليس كذا صوم يوم عاشوراء مع صوم شهر رمضان؛ لأن أحدهما لا يعترض على الآخر بوجه من الوجوه، وإذا صح فيه النسخ كان فيما ذكرناه أصح وأولى.
  فإن قيل: فكيف يجوز أن يكون عقل النسخ بينهما؟
(١) مصنف ابن أبي شيبة (١/ ١٦٩).
(٢) وهو رفع الغسل في السفر، وليس النسخ إلا مثل ذلك. (من هامش ب).