كتاب القضاء والأحكام
  وأيضاً لو باعه فوجد به عيباً أو حدث فيه عيب قبل التسليم كان له الخيار في فسخ البيع، فكذلك من وجد متاعه بعينه عند مفلس؛ لأن الثمن صار معيباً بكونه في ذمة مفلس، فوجب أن يكون له الخيار؛ لأن أحد عوضي المبتاعين صار معيباً قبل قبضه.
  فإن تعلقوا بقوله ÷: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه».
  قيل لهم: عندنا إذا اختار البائع فسخ البيع ملكه [فقد صار ماله، ولا يحل للمشتري. على أن ذلك لو لم يكن على ما قلناه كان مخصوصاً](١) بخبر الإفلاس؛ لأنه خاص، وما ذكرتم عام، ومن مذهبنا بناء العام على الخاص.
  فإن قاسوه على الرهن بعد رده وفكه لم يصح ذلك؛ لأنه لا تعلق للحق به إلا ما دام رهناً، فإذا رده لم يبق بين الدين وبينه تعلق. وأما الحوالة فإن المحتال لا يرجع إلى المحيل، فليس يقدح فيما قلناه؛ لأنه لم يبق بين المحيل والمحتال تعلق ولا مطالبة؛ لأن حق المحتال قد تحول عنه إلى المحتال عليه، فصار كالأجنبي، على أنه قد يمكن أن يقلب عليهم فيقال لهم: هلا كان له الرجوع كما كان للمحتال. على أن سؤال الحوالة لا يصح من أحد من الفريقين إذا تكلموا في مسألة التفليس؛ لأنه ينقلب عليه. على أنا اتبعنا فيهما الأثر، قال ÷: «إذا أحيل أحدكم على ملئ فليتبع»، ولم يشترط الملاءة في حال الاتباع، وإنما اشترط في حال الإحالة، وقال: «من وجد ماله بعينه عند مفلسٍ فهو أحق به».
  فإن قيل: لو كان سبيله سبيل أن يهلك المبيع لوجب أن يبطل البيع، وليس ذلك مذهبكم، وإنما مذهبكم أن له الخيار في الفسخ.
  قيل له: ليس سبيله سبيل أن يهلك العبد، وإنما سبيله سبيل أن يأبق العبد قبل التسليم في أن له الخيار بين أن يصبر إلى أن يظفر به وبين أن يفسخ البيع.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).