باب القول في التفليس
  واعلم أن الحبس يكون على وجهين:
  إما أن يحبسه الحاكم لالتباس حاله في اليسار والإعسار إلى أن يكشف حاله بالبينة.
  أو بأن يقف الحاكم على أنه مليء مماطل لغريمه.
  والأصل في الحبس: ما روي أن النبي ÷ حبس ناساً من أهل الحجاز اقتتلوا فقتلوا بينهم قتيلاً(١).
  وروي أيضاً أن رسول الله ÷ حبس رجلاً في تهمةٍ، وقال ÷: «مطل الغني ظلمٌ».
  فإذا جاز حبسه بالتهمة كان حبسه للظلم أولى.
  وروي أيضاً أن رسول الله ÷ حبس رجلاً أعتق شقصاً له في مملوك حتى باع غنيمة له(٢). وروي عن النبي ÷: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته»، ومعلوم أنه لم يرد بالعقوبة الضرب، فثبت أنها الحبس.
  وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي $ أنه كان يحبس في النفقة، وفي الدين، وفي القصاص، وفي الحدود، وفي جميع الحقوق(٣).
  والحبس في الحقوق أمر يتعارفه المسلمون من أيام الصحابة إلى يومنا هذا، قد أطبقوا عليه قولاً وفعلاً لا يتناكره منهم أحد، فجرى مجرى سائر الإجماعات.
  وقلنا: إنه يحبس إذا التبس أمره لما روي أن النبي ÷ حبس للتهمة.
  ولم يحد يحيى بن الحسين @ حبس الالتباس بمدة قليلة ولا كثيرة، وإنما قال: يحبسه حتى يكشف(٤) أمره، وذلك يحتمل قليل الزمان وكثيره، وبه قال أصحاب
(١) المراسيل لأبي داود (٢٩٢).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٨٠).
(٣) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٧).
(٤) في (ب، د، هـ): ينكشف.