شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب السير

صفحة 504 - الجزء 6

  والجريح في حكم الأسير.

  وقوله: «ما دامت الحرب قائمة» المراد به إذا كانت لهم فئة، فأما إذا لم تكن لهم فئة فقياس قوله ألا يقتل أسيرهم، كما لا يجاز على جريحهم، إلا أن يقتل قصاصاً على ما ذكره، وهذا تصريح من مذهبه بأن أهل البغي إذا قتلوا المسلمين أو جرحوهم اقتص منهم، وهو أحد قولي الشافعي، والقول الآخر: أنهم لا يطالبون بشيء من ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

  والأصل في ذلك قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لْقِصَاصُ فِے اِ۬لْقَتْلَيۖ ...} الآية [البقرة: ١٧٨]، وقوله: {۞وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ اَ۬لنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...} الآية [المائدة: ٤٧]، وقوله ÷ يوم فتح مكة: «ألا ومن قتل قتيلاً فوليه مخير بين أن يقتص أو يأخذ الدية»، وقوله: «لا يحل دم امرئ مسلم ...» إلى قوله: «أو قتل نفس بغير نفس»، وقوله: «العمد قود، إلا أن يعفو ولي المقتول».

  وأيضاً هو قاتل عمد، فيلزمه القود، دليله لو قتله غيلة. ولا يمكنهم⁣(⁣١) أن يدعوا سقوط القود لأنه متأول؛ بدلالة أن الخارجي إذا قتل غيره متأولاً غيلة لا⁣(⁣٢) يسقط القود عنه، ولأن التأويلات الفاسدة لا تسقط الحقوق الثابتة.

  فإن قيل: روي عن الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ÷ متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل، أو مال أتلف على وجه التأويل - أنه هدر⁣(⁣٣).

  قيل له: يحتمل أن يكون المراد به التأويل الصحيح الذي يكون المتأول له قد أدى فيه ما كلف من الاجتهاد، والتأويل الذي للاجتهاد فيه مسرح، وتأويل أهل البغي تأويل خطأ لا يسوغه الدين، كتأويل الخارجي في قتل المسلم غيلة.


(١) في (أ، ب، ج، د): ولا يمكن لهم.

(٢) في (أ، ب، ج، د): فلا.

(٣) روى نحوه عبدالرزاق في المصنف (١٠/ ١٢٠، ١٢١).