باب القول في محاربة أهل الحرب
  والذي عندي أن الغزو يجوز بغير إمام، وأن الإمام ليس شرطاً فيه، كما أن الحج لا يكون الإمام شرطاً فيه، وذلك أن تفاصيل الغزو(١) لا تحتاج إلى الإمام؛ لأن ذلك إما أن يكون دخول دار الحرب، أو إراقة دمائهم، أو أخذ أموالهم، أو سبي ذراريهم، وكل واحد منه لا خلاف أنه يصح بغير إمام، كالحج لما كان تفاصيله من الإحرام والطواف والوقوف والسعي والرمي جائزاً بغير إمام وجب جواز جملته بغير إمام، وحاجة العسكر إلى رئيس يجمع شملهم كحاجة قافلة الحاج إلى رئيس يجمع شملهم، وليس ذلك من الركون إلى الذين ظلموا في شيء. وأيضاً قد ثبت عن أقوام صالحين أنهم غزوا مع الفسقة وولاتهم، ولم يحفظ عن أحد من السلف إنكار ذلك، فوجب بذلك صحة ما ذهبنا إليه، ويوضح ذلك قول علي #: (لا يفسد الحج(٢) والجهاد جور جائر).
مسألة: [في دعاء أهل الحرب إلى الإسلام والشهادتين قبل قتالهم]
  قال: وينبغي أن يُدعوا إلى الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ÷، فإن أجابوا إلى ذلك فهم مسلمون، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم(٣).
  ظاهر قول يحيى #: «ينبغي أن يدعوا إلى الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله» يدل على أنه لا يقتصر بهم على إظهار الشهادتين حتى يظهروا الدخول في الإسلام، ويكون ذلك بالبراءة من كل ما خالف دين الإسلام، قال أبو جعفر الطحاوي في شرح الآثار(٤): وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد. ورأيت المحصلين من أصحابهم يقولون: إن ذلك خاص
(١) في (أ، ج): تفاصيل أهل الغزو.
(٢) في (هـ): إنه لا يمنع الحج.
(٣) الأحكام (٢/ ٤٠٤).
(٤) شرح معاني الآثار (٣/ ٢١٦).