كتاب الصلاة
  وربما تعلق المخالف لنا بما روي عن ابن عباس، عن النبي ÷ أنه سئل عن المني يصيب الثوب فقال: «أمطه عنك بإذخرة، إنما هو كمخاط أو بصاق»(١).
  فلا دليل لهم فيه، بل فيه دليل لنا من وجه، وهو أنه ÷ لما أمر بإماطته ثبتت نجاسته؛ لأن إماطة ما ليس بنجس لا تجب(٢)، وأمره ÷ يقتضي الإيجاب، وقوله: «بإذخرة» وحدها لا يمكن إماطة جميعه، ومن أماط بعضه لا يكون أماطه.
  وقوله: «إنما هو كمخاط أو بصاق» أراد في لزوجته وشدة لصوقه(٣) بالثوب، وأنه يحتاج لإزالته إلى فضل معالجة، على أن الحديث قد قيل فيه: إنه ضعيف، وقد قيل فيه: إنه موقوف على ابن عباس.
  ومما يدل على ذلك أنه مائع يجري مجرى النجاسة، ولا(٤) يخرج إلا مع أجزاء من النجاسة، فلو وجب كونه طاهراً في الأصل لصار نجساً بجريه في مجرى النجاسة.
  وقد اعترض هذا الدليل بقوله تعالى: {مِنۢ بَيۡنِ فَرۡثٖ وَدَمٖ لَّبَنًا خَالِصٗا}[النحل: ٦٦]، فقالوا: قد أخبر الله تعالى أن اللبن يخرج من بين فرث ودم، وهما نجسان.
  قيل لهم: ذلك غلط، وذلك لا يمتنع أن يكون بين الدم وبينه حائل، والآية لا تدل على أنه لا حائل بينهما، على أن ذلك لو ثبت في اللبن لم يثبت في المني؛ لأنا
(١) أخرجه الدارقطني في السنن (١/ ٢٢٥، ٢٢٦)، والبيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٥٨٦).
(٢) قال في حاشية: إن قيل: للتنظيف فيكون ندباً بدلالة «إنما هو» - أقول: الأمر في الندب مجاز عند المحققين، وفي الإيجاب حقيقة، والحقيقة مقدمة على المجاز، والله أعلم. (من هامش ب).
(٣) في (ب): ولصوقه. وفي (ج): في لزوجته ولصوقته.
(٤) في (ب، ج): فلا.