كتاب الصلاة
  لا ندعي أن نجاسة ما يجري في مجرى النجاسة [ثبتت] عقلاً فيفسد(١) قولنا إذا بين خلافه في موضع من المواضع.
  ومما يدل على ذلك من طريق القياس أنه سائل من الجسد ناقض للطهارة، فوجب أن يكون نجساً قياساً على البول والغائط، وإن شئنا عللناه بأن نقول: إنه خارج من السبيلين. ويمكن أن يقاس على المذي بعلة أنه خارج من الذكر للشهوة. ويمكن أن يقاس على دم الحيض بعلة أن خروجه يوجب الغسل.
  فإن قاسوه على اللبن بعلة أنه خارج من الجسد تثبت(٢) به الحرمة، فتجب طهارته كان الوصف غير مسلم في المني؛ لأن شيئاً من الحرمة لا يثبت به؛ لأنها إما أن تثبت بالوطء أو بما يخلق من المني، فأما بنفس المني فلا تثبت حرمته، على أن العلة إن صحت فعلتنا أولى منها؛ لأنها حاظرة؛ ولأن المني بما ذكرنا أشبه منه باللبن.
  فأما من استدل منهم بقول الله تعالى: {۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ} الآية [الإسراء: ٧٠]، فقال: تكريمهم يقتضي أنهم مخلوقون من طاهر - فقد أبعد؛ لأن ذلك لا يفهم منه على وجه من الوجوه، ومعناه: كرمناهم بالتكليف والتمكين من استحقاق الثواب العظيم، وما يسر لهم من الأحوال التي لم تيسر(٣) لغيرهم من الحيوانات، وما سخر لهم من سائر الحيوانات وغيرها، على أنه لا فصل بينهم وبين من استدل لنجاسة المني بقوله تعالى: {أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ ٢٠}[المرسلات]، فلئن كان التكريم يقتضي الطهارة فالإهانة تقتضي التنجيس.
  فإن قيل: روي عن عائشة أنها أضافت رجلاً فأعطته قطيفة فاجتنب فيها،
(١) في (ج، د): فيفسدوا.
(٢) في (ب): ثبتت.
(٣) في (ب، ج): تتيسر.