باب القول في غسل الميت
  فجرى مجرى الإجماع منهم.
  وروي عن عائشة أنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما غسل رسول الله ÷ غير نسائه(١)، ولم ينكر ذلك القول عليها أحد، فجرى أيضاً مجرى الإجماع.
  وأما غسل الرجل امرأته إذا ماتت فالذي يدل على جوازه: ما روي أن النبي ÷ دخل على عائشة وهي تقول: وارأساه، فقال ÷: «لا عليك، لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك وحنطتك ودفنتك»(٢)؛ فدل الخبر على أنه كان يغسلها بعد الموت.
  فإن قيل: قوله ÷: «لو مت قبلي لغسلتك» هو شرط، والإخبار هو مقدار قوله: «لا عليك»، والشرط يجوز أن يكون صحيحاً وأن يكون غير صحيح؛ ألا ترى أنه ليس يمتنع أن يقول: لا عليك، لو أحل الله الخمر فشربتها، وإن كان الخمر مما لا يحل، ويأثم شاربها؟
  قيل له: هذا وإن كان كذلك فإن النبي ÷ قصد بهذا القول تسليتها، ولا يجوز أن يسليها بما لا يجوز أن يكون مراده ÷؛ لأن ذلك يجري مجرى التغرير، والنبي ÷ منزه عن ذلك.
  فإن قيل: يحتمل أن يكون مراده بقوله: «لغسلتك» أي: أمرت بغسلك، كما(٣) روي أنه رجم ماعزاً، أي: أمر برجمه.
  قيل له: نحن قد بينا أن هذا القول منه ÷ تسلية منه لها وتخفيف لأمر الموت عليها، ولو كان المراد به الأمر بغسلها لم يحصل هذا المعنى؛ لأن أمر النبي
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٥٥٨).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٥٥٥، ٥٥٦) وابن ماجه (١/ ٤٧٠) بلفظ: «وما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ثم دفنتك».
(٣) في (أ، ب، ج): وكما.