كتاب الزكاة
  قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب، قال: حججت مع عمر، فأتاه أشراف من أشراف أهل الشام، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قد أصبنا دوابَّ وأموالاً، فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة، قال: هذا شيء لم يفعله اللذان من قبلي، ولكن انظروا(١) حتى أسأل المسلمين، فسأل أصحاب محمد ÷ منهم علي # فقالوا: حسن، وعلي # ساكت لم يتكلم معهم، فقال: ما لك يا أبا الحسن لا تتكلم؟ فقال: (قد أشاروا إليك، ولا بأس بما قالوا إذا لم يكن أمراً واجباً وجزية راتبة يؤخذون بها)(٢).
  وفي هذا الخبر وجوه من الأدلة على أن لا صدقة في سائمة الخيل: منها: قول عمر في ملأ من المهاجرين والأنصار: إن اللذين من قبلي لم يفعلا ذلك. وعنى بأحدهما رسول الله ÷، ولم ينكر عليه في ذلك منكر؛ فجرى مجرى الإجماع على أن النبي ÷ لم يأخذها.
  ومنها: قولهم: إن ذلك حسن، من غير أن قال أحد منهم: واجب.
  ومنها: قول علي #: (لا بأس بما قالوا إن لم يكن أمراً واجباً وجزية راتبة) فنبه على أنها مأخوذة لا على سبيل الوجوب، وقبل الجميع منه ذلك فصار إجماعاً.
  ولا خلاف أن لا زكاة في سائمة الحمير والبغال، فكذلك الخيل؛ والعلة أن لحومها محرمة، وكل حيوان حرم أكل لحمه لا زكاة فيه للسوم. وأيضاً لا خلاف أنه لا زكاة في ذكور الخيل إذا انفردت، فكذلك في إناثها، قياساً على البغال، لما لم تجب الصدقة في ذكورها منفردة لم تجب في إناثها، والأصول تشهد لصحة هذه العلة؛ لأنا وجدنا الحيوان أجمع لا ينفصل ذكورها عن إناثها في باب الصدقة.
  فأما الكلام فيها إذا كانت للتجارة أو الكراء(٣) فسيأتي من بعد في موضعه إن شاء الله تعالى.
(١) في شرح معاني الآثار: انتظروا.
(٢) شرح معاني الآثار (٢/ ٢٨).
(٣) في (أ، د): والكراء.