باب القول في أحكام الأرضين
  فكل هذا يبين أن الصلح كان قد انتقض، ولولا ذلك لما جاء أبو سفيان لتجديده إذ جاء، ثم يرده أبو بكر وعمر وأمير المؤمنين # وفاطمة رحمها الله، ولقالوا له: ما تجشمك من صلح هو باق منعقد.
  وما روي أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى قريش يخبرهم بما أجمع عليه رأي رسول الله ÷ من المسير إليهم، ودفع الكتاب إلى امرأة من مزينة، فجعلته في رأسها، وفتلت عليه شعرها، حتى عرف رسول الله ÷ ذلك، فأنفذ في أثرها علياً # والزبير، حتى أخذا الكتاب منها.
  فلو كان الصلح باقياً لكان ما فعله النبي ÷ من العزم على المسير إليهم غدراً، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.
  ثم ما روي أن النبي ÷ لما أراد المسير إلى مكة وتقدم إلى أصحابه بالجد والاستعداد قال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش لنبغتها في بلدها(١)»، ولا يجوز أن يدعو بذلك على قوم بينه وبينهم صلح.
  وفيما رواه ابن جرير الطبري بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزل النبي ÷ مر الظهران قال العباس: يا صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله ÷ في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش آخر(٢) الدهر، فجلس على بغلة رسول الله ÷ البيضاء وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حاطباً أو صاحب لبن أو داخلاً [يدخل] مكة فيخبرهم بمكان رسول الله، فيأتونه ويستأمنون(٣).
  فدل ذلك على أنه لم يكن هناك صلح؛ لأن النبي ÷ إذا حصل بينه وبين قوم صلح لا يجوز أن يهلكهم؛ ولأن الصلح لو كان باقياً لم تحتج قريش أن تأتي
(١) في (د): بلادها. اهـ والخبر رواه الطبري في تاريخه (٢/ ١٥٥).
(٢) في (أ): إلى آخر.
(٣) تاريخ الطبري (٢/ ١٥٧).