شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في أحكام الأرضين

صفحة 126 - الجزء 2

  فكل هذا يبين أن الصلح كان قد انتقض، ولولا ذلك لما جاء أبو سفيان لتجديده إذ جاء، ثم يرده أبو بكر وعمر وأمير المؤمنين # وفاطمة رحمها الله، ولقالوا له: ما تجشمك من صلح هو باق منعقد.

  وما روي أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى قريش يخبرهم بما أجمع عليه رأي رسول الله ÷ من المسير إليهم، ودفع الكتاب إلى امرأة من مزينة، فجعلته في رأسها، وفتلت عليه شعرها، حتى عرف رسول الله ÷ ذلك، فأنفذ في أثرها علياً # والزبير، حتى أخذا الكتاب منها.

  فلو كان الصلح باقياً لكان ما فعله النبي ÷ من العزم على المسير إليهم غدراً، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.

  ثم ما روي أن النبي ÷ لما أراد المسير إلى مكة وتقدم إلى أصحابه بالجد والاستعداد قال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش لنبغتها في بلدها⁣(⁣١)»، ولا يجوز أن يدعو بذلك على قوم بينه وبينهم صلح.

  وفيما رواه ابن جرير الطبري بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما نزل النبي ÷ مر الظهران قال العباس: يا صباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله ÷ في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش آخر⁣(⁣٢) الدهر، فجلس على بغلة رسول الله ÷ البيضاء وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حاطباً أو صاحب لبن أو داخلاً [يدخل] مكة فيخبرهم بمكان رسول الله، فيأتونه ويستأمنون⁣(⁣٣).

  فدل ذلك على أنه لم يكن هناك صلح؛ لأن النبي ÷ إذا حصل بينه وبين قوم صلح لا يجوز أن يهلكهم؛ ولأن الصلح لو كان باقياً لم تحتج قريش أن تأتي


(١) في (د): بلادها. اهـ والخبر رواه الطبري في تاريخه (٢/ ١٥٥).

(٢) في (أ): إلى آخر.

(٣) تاريخ الطبري (٢/ ١٥٧).