كتاب الصوم
  قيل له: هذا لا يوجب أن صيامه مكروه، وإنما فيه أن له فضل العيد، وقوله: «أيام أكل وشرب» محمول على أن الصوم غير واجب فيه؛ لأن الصوم إذا لم يجب في يومٍ كان ذلك اليوم يوم أكل وشرب، فيكون ذلك جمعاً بين الخبرين.
  فإن قيل: روي عن أبي هريرة أن النبي ÷ نهى عن صيام عرفة بعرفة(١).
  قيل له: يحتمل أن يكون النهي خاصاً لمن كان مجهوداً في ذلك اليوم، فكره له ذلك لئلا ينقطع به عما هو واجب عليه من المناسك، وهكذا نقول في كل مستحب حتى أن لا يؤدي(٢) إلى الإخلال بالواجب: إنه يصير مكروهاً.
  وقلنا: إن صوم الدهر مستحب لمن قدر عليه ولم يضر بجسمه إذا أفطر العيدين وأيام التشريق لحديث ابن عمرو(٣)، رواه أبو داود في السنن قال: لقيني رسول الله ÷ فقال: «ألم أحدث عنك أنك تقول: لأقومن الليل ولأصومن النهار؟» قال الراوي: أحسبه قال: نعم، قد قلت ذلك. قال: «فقم ونم، [وصم] وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام، وذلك مثل صيام الدهر»(٤). فلما شبه رسول الله ÷ صيام ثلاثة أيام من كل شهر إخباراً عن فضله بصيام الدهر ثبت أن صوم الدهر مستحب.
  وأخبرنا أبو بكر محمد بن العباس الطبري، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن شعيب بن عثمان بن سعيد، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن هارون، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي # قال: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، وهن يذهبن وحر الصدر).
(١) أخرجه المرشد بالله (٢/ ٨٦)، وأبو داود (٢/ ١٩٥)، وابن ماجه (١/ ٥٥١).
(٢) كذا في المخطوطات، وظنن في هامش (ب، د) بـ: يخشى منه أن يؤدي.
(٣) في (ب): عمر.
(٤) سنن أبي داود (٢/ ١٩٢).