شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصوم

صفحة 262 - الجزء 2

  ذلك حكم جميع الرخص، ما لم تؤد إلى الإضرار بالنفس.

  وروى أبو جعفر بإسناده عن أنس أنه سئل عن الصوم في شهر رمضان في السفر فقال: «إن أفطرت فرخصة، وإن صمت فالصوم أفضل»⁣(⁣١). وهو قياس على سائر الأيام التي لا يكره فيها الصيام؛ بعلة أنها أيام يجوز فيها الصوم والإفطار ولا يكره فيها الصيام، فوجب أن يكون الصوم أفضل من الإفطار.

  فإن قيل: روي عنه ÷ أنه قال: «ليس من البر الصيام في السفر».

  قيل له: ليس يمتنع أن يكون المراد به التطوع كما حكيناه عن القاسم # إذا كان يضر بجسمه ويمنعه عما هو أولى منه، فقد روي ما يدل على ذلك:

  أخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، عن علي بن شيبة، عن روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر، قال: كان رسول الله ÷ في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل، فقال: «ما هذا»؟ فقالوا: صائم، فقال ÷: «ليس من البر الصيام في السفر»⁣(⁣٢). على أنا لا نمنع أن يكره الصيام في السفر في شهر رمضان إذا أضر ذلك بجسم الصائم، وخشي⁣(⁣٣) أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بسائر الواجبات المضيقة.

  فإن قيل: روي أن قوماً صاموا في السفر حين أفطر رسول الله ÷ فقال: «أولئك هم العصاة»⁣(⁣٤).

  قيل له: هو محمول على أن القوم أضروا بذلك أجسادهم حتى قعدوا عما هو أضيق وجوباً منه.


(١) شرح معاني الآثار (٢/ ٦٧).

(٢) شرح معاني الآثار (٢/ ٦٢)، وفيه: ليس من البر أن تصوموا في السفر.

(٣) في (د): أو خشي.

(٤) أخرجه مسلم (٢/ ٧٨٥)، والترمذي (٢/ ٨١).