كتاب الصوم
  ذلك حكم جميع الرخص، ما لم تؤد إلى الإضرار بالنفس.
  وروى أبو جعفر بإسناده عن أنس أنه سئل عن الصوم في شهر رمضان في السفر فقال: «إن أفطرت فرخصة، وإن صمت فالصوم أفضل»(١). وهو قياس على سائر الأيام التي لا يكره فيها الصيام؛ بعلة أنها أيام يجوز فيها الصوم والإفطار ولا يكره فيها الصيام، فوجب أن يكون الصوم أفضل من الإفطار.
  فإن قيل: روي عنه ÷ أنه قال: «ليس من البر الصيام في السفر».
  قيل له: ليس يمتنع أن يكون المراد به التطوع كما حكيناه عن القاسم # إذا كان يضر بجسمه ويمنعه عما هو أولى منه، فقد روي ما يدل على ذلك:
  أخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، عن علي بن شيبة، عن روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر، قال: كان رسول الله ÷ في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل، فقال: «ما هذا»؟ فقالوا: صائم، فقال ÷: «ليس من البر الصيام في السفر»(٢). على أنا لا نمنع أن يكره الصيام في السفر في شهر رمضان إذا أضر ذلك بجسم الصائم، وخشي(٣) أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بسائر الواجبات المضيقة.
  فإن قيل: روي أن قوماً صاموا في السفر حين أفطر رسول الله ÷ فقال: «أولئك هم العصاة»(٤).
  قيل له: هو محمول على أن القوم أضروا بذلك أجسادهم حتى قعدوا عما هو أضيق وجوباً منه.
(١) شرح معاني الآثار (٢/ ٦٧).
(٢) شرح معاني الآثار (٢/ ٦٢)، وفيه: ليس من البر أن تصوموا في السفر.
(٣) في (د): أو خشي.
(٤) أخرجه مسلم (٢/ ٧٨٥)، والترمذي (٢/ ٨١).