باب القول في الأذان
  ويدل على ذلك أيضاً أنا قد بينا فيما تقدم أن الأذان واجب على الكفاية، فإذا كان القيام به قيام عبادة واجبة فيحرم أخذ الأجرة عليه قياساً على أخذ الأجرة على أداء سائر المفروضات من الصلاة والزكاة والجهاد ونحو ذلك.
  فإن قيل: إنكم تجوزون أن يأخذ القاضي على قضائه أجراً(١).
  قيل له: لسنا نجيز ذلك على سبيل الأجرة، وإنما نجيز ذلك إذا شغل نفسه بمصالح(٢) المسلمين؛ ليكون عوناً له على ما هو فيه، وسبيله سبيل ما يعطى الغازي يستعين به على مصالحه لا على سبيل الأجرة.
  فإن قيل: ألستم تجوزون أخذ الأجرة على بناء المسجد وحفر القبر وإن كان ذلك واجباً على الكفاية؟
  قيل له: نحن منعنا جواز ذلك فيما يكون عبادة، وبناء المسجد وحفر القبر لا يكونان عبادة؛ ألا ترى أنه قد يجوز أن يبنى البناء لغير المسجد ثم يجعل مسجداً، وقد يجوز أن يحفر لغير الميت ثم يجعل قبراً؟ وليس كذلك الأذان؛ لأنه لا بد من أن يقصد به قصد العبادة.
  يكشف ذلك أن المشرك قد يجوز أن يستحفر القبر، وأن يستعمل فيما يكون عمارة المسجد(٣)، ولا يجوز أن يكون مؤذناً.
  فأما ما ذهبنا إليه من أن المؤذن يجوز أن يأخذ ما يعطى إذا لم يكن مشروطاً فلا خلاف فيه، فإنه(٤) لا يجري مجرى الأجرة، وإنما يجري مجرى الإحسان إليه، كما يحسن إلى الغزاة وأهل الفضل والدين من الفقهاء وغيرهم.
مسألة: [في كراهة الكلام أثناء الأذان والإقامة إلا من ضرورة]
  قال: ويكره الكلام في الأذان والإقامة إلا من ضرورة.
(١) في (ب، ج): رزقاً.
(٢) في (ب): في مصالح.
(٣) في (ب، ج، د): للمسجد.
(٤) في (ب): وأنه.