(باب): [في القران وشروطه]
  (وإنما ينفذ(١)) الإيصاء بالحج
(١) قوله: «وإنما ينفذ من الثلث ... إلخ» قالوا: لأنه تعلق وجوبه بالبدن، والمال ليس إلا شرطاً لوجوبه؛ لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ}[آل عمران ٩٧]، والأحكام إنما تعلق بأسبابها، وبذلك يصير حكمه كالخالي عن التعلق بالمال في الابتداء، وذلك ظاهر، فلم ينتقل لذلك إلى المال إلا بالوصية، ولا يجب إخراجه إلا بها، ويكون من الثلث كسائر أمثاله، بخلاف نحو الزكاة فإنها متعلقة بالمال ابتداء، فوجب إخراجها من التركة مطلقاً. يقال: سبب إيجاب الحج المال، وهو السبيل الذي فسره ÷ بالزاد والراحلة، وهما مال، وأما الصحة فليست منه؛ لأن الخطاب بالحج لم يتناول إلا الصحيح، لا العاجز عنه فهو خارج عن تناول الخطاب إياه عقلاً وسمعاً، وبثبوت كون السبب فيه مالاً، وأن الأحكام تعلق بأسبابها - يلزم أن يكون مالياً لأجل سببه، فيجب من رأس المال وإن لم يوص. يؤيد ذلك قوله ÷: «أرأيت لو كان على أبيك دين» فنزله منزلة الدين، والدين من الرأس بغير وصية، وقريب منه كفارة الصوم أيضاً؛ لأن وجوبها في الحياة قد ينقل في حال الهرم إلى المال، ولقوله ÷: «أرأيت لو كان على أمك دين ... الخبر». وأما قوله تعالى: {إِلَّا مَا سَعَى ٣٩}[النجم]، فهو يمكن أن يقال: لملك المال الذي تعلق به التخلص عما خوطب به تبقيته على ملكه حتى يتعلق به ما يريد من السعي. وأما قوله ÷: «إذا مات المسلم انقطع عنه عمله ... الخبر» فيحمل على أن المراد أعماله التي لا سعي له فيها، لا ما كان له بها سعي على ما تقدم فلا ينقطع عنه عمله؛ جمعاً بين الأدلة، والله تعالى أعلم، وعلى هذا يصح أن يحجج عنه كل ذي ولاية من مخلفه، لا حيث لا مال له فلا يصح على مقتضى هذه الآية والخبر، وأما على مقتضى ما تقدم من الخبر والقياس أيضاً فيصح كقضاء الدين وإخراج نحو الزكاة، إلا من الولد فيصح منه مطلقاً؛ إذ هو وماله لأبيه ومن سعيه، فهو كهو؛ لقوله ÷: «أنت ومالك لأبيك»، وقوله ÷: «ألا وإن ولد الإنسان من سعيه ... الخبر».
نعم، وهذا إذا كان الحج فرضاً عليه بإيجاب الله تعالى؛ لثبوت ما هو كذلك ديناً عليه بسبب الإيجاب المالي المقتضي لتحتم التخلص عنه، لا نفلاً؛ لانتفاء سببية المال فيه والدين، فلم يكن له حكمه، فكان من الثلث إن أوصى به؛ إذ هو الواجب في كل ما لا يلزم إخراجه إلا بالوصية، إلا من الولد فيصح منه مطلقاً؛ لما تقدم.
نعم، وأما الواجب بإيجابه فالأدلة كلها تلحقه بحكم الواجب بإيجاب الله تعالى؛ لما رواه ابن عباس ¥ قال: أتى إلى رسول الله ÷ رجل فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها =