[بحث مفيد في مسائل الخلاف الأصولية]
  وأعظم الخلاف في الإرادة عند من أثبتها حقيقة، وأن الله يخلقها مع خلق المراد، وأنها لا في محل، وأنها غير مرادة في نفسها.
  وهو قابل للتأويل أيضاً؛ لأنَّه لا يلزم منه التشبيه؛ لأنهم لا يقولون إنها حالَّةٌ في الله، وأعظم ما يلزمهم القول بالمحال، وهو عرض لا في محل.
  وأما إيجاد الإرادة لا بإرادة فإنما المراد إيجادها بغير إرادة حقيقية، وأما أن الله أوجدها وهو عالم بأن الحكمة والمصلحة في إيجادها، فلا ينفون ذلك، فلا يلزمهم العبث،؛ لأنَّ العلم بأن الحكمة في خلقها ينفي العبث، وإلا لزمنا مثلهم في كل مخلوقاته تعالى: لأنا ننفي الإرادة الحقيقية، وإنما نقول: إنه خلق كل المخلوقات وهو عالم بأن الحكمة في خلقها.
  هذا، وقد يجاب على الذين يقولون بأن لله إرادةً يخلقها عرض لا في محل، يخلقها عند خلق المراد بجوابين: الأول: أن ليس لهم دليل على ما يدَّعونه، وكل دعوى بلا دليل فهي عاطلة باطلة.
  والجواب الثاني: أنه إذا أمكن إيجاد إرادات على عدد المخلوقات بدون إرادة، فكذا يجوز ويمكن خلق المخلوقات كلها بغير إرادة، والفرق تَحَكُّم.
  وكذا من جوز اللوح، والكرسي، والعرش، والصراط حقيقة، فإنهم لا يقولون: إن الله على العرش، ولا على الكرسي، ولا أنه محتاج إلى اللوح، ولا أن في الصراط مشقة على المؤمنين، وإنما يجوزون أن يخلقها الله لحكمة يعلمها، ولا يلزم أن نعلم وجه الحكمة في كل فرد من مخلوقاته تعالى، وإنما يلزمنا أن نعلم أن الله لا يخلق إلا ما فيه الحكمة والمصلحة، وأن ننفي عنه الحاجة والعبث، فإذا جهلنا وجه الحكمة في بعض المخلوقات أرجعناه إلى هذه القاعدة الكلية، ألا ترى أن المساجد تسمى بيوت الله، ولا يلزم أن يكون حالاً فيها، ولم يلزم التشبيه من وضع المساجد، فالكل مجمعون على نفي التشبيه، ونفي الحاجة، والعبث، ولا بين ما جوزوه وبين أي هذه الثلاثة أي تلازم، أي لا يلزم التشبيه، ولا الحاجة، ولا العبث، مع أنهم إنما جوزوا ولم يثبتوا، وكلما ذُكر