الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(الأدلة على كذب من قال: إنه لا وعيد على أحد من هذه الأمة):

صفحة 389 - الجزء 2

  فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}⁣[البقرة ٢٧٥].

  لا يقال: قد ذكر في وسط الكلام ما هو من شأن الكفار، وهو استحلال الربا بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى} الآية [البقرة ٢٧٥].

  لأنا نقول: إن الكلام السابق وهو قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} لا يختص الكفار حتى يلزم حمل الوعيد عليهم وحدهم، بل هو أي: الموصول وصلته وصف مشترك بين الكفار والمسلمين المربين، ثم الوعد لمن انتهى والوعيد لمن عاد عام للصنفين، لكنه ø لما عقب هذه الآية بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ٢٧٨ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ ..} دل على أنه أراد بالوعيد السابق آكلي الربا من هذه الأمة؛ لأن الكافر هو معذب على كفره، فلو انتهى عن أكل الربا لم يغفر له ما سلف، فدل على أن المراد بقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} المسلم الذي يأكل الربا، ومثله من سمع هذا الوعيد من الكفار وهو يأكل الربا فأسلم وانتهى عن أكله فله غفران ما سلف من أكل الربا وغيره، فعلم من هذا أن المراد بقوله: {وَمَنْ عَادَ} هو من عاد إلى أكل الربا من هذه الأمة ممن أكل الربا قبل إسلامه أو بعده، ولا يمكن حمل المعنى على أن المراد: ومن عاد إلى الكفر أو إلى أكل الربا من الكفار أو إلى استحلاله؛ لخروج الكلام عما سيقت له الآية، وهو أكل المسلم الربا، ولتقدم الجملة المذكورة فيمن انتهى، فيجب أن يحمل قوله: {وَمَنْ عَادَ} عليها، فيكون المعنى: ومن عاد ممن انتهى عن أكل الربا من المسلمين إلى أكله، ويدل عليه ما ورد في الحديث عنه ÷: «لئن يزني الرجل خمساً وثلاثين زنية أهون من أن يأكل درهماً من ربا»، مع ما ورد في الوعيد على الزنا بالخلود في النار، نسأل الله السلامة.