[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  قطعاً كما مر من أن ما كان سبباً لمجيء العام فهو مراد قطعاً، وأما كون الجمع المضاف يعم فلا يقدح؛ وإلا لزم أن لا يدخل في هذا الوعيد إلا من ارتكب جميع المعاصي، وأن من ارتكب الشرك وحده أو عبادة الأصنام فقط أو قتل الأنبياء فقط أو نحو ذلك لا يدخل النار، والإجماع على خلافه، فالمراد: ومن يتعدَّ أي حد من حدوده جميعاً، فالعموم مراد من جهة التحذير عن جميعها لا من جهة تعليق الوعيد على اجتماعها.
  الآية الخامسة عشرة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم ٦]، فليس المراد من هذه الآية إلا الوعيد الشديد على المؤمنين، وأمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم هذه النار، وليس إلا بالمحافظة على فعل الواجبات واجتناب المحرمات، وإلا لما كان لتوعدهم بهذا الوعيد معنى إن كان مصيرهم إلى الجنة مع ضياعهم الواجبات وارتكابهم المحرمات.
  فهذه خمس عشرة آية في وعيد عصاة المسلمين، مضافة إلى الخمسة عشرة التي مرت عامة لهم وللكفار، فتكون الجملة ثلاثين آية مما خطر على البال من الآيات الكريمة البينات، والحجج العظيمة النيرات.
  وإنما أردنا التنبيه لك أيها الطالب الرشاد لتعلم كم نبذ القوم وراء ظهورهم من آية واضحة، وحجة من كتاب الله لائحة، مع أنه يكفي في إثبات مدعانا آية واحدة منها، فكيف والقرآن العزيز مملوء بالوعيد الشديد على العصاة من هذه الأمة، كما هو مملوء بالوعد لمن أطاع منهم، بل آي الوعيد والنواهي والزواجر أكثر من آيات الوعد والأوامر والبشائر.
  فتدبر إن كنت ممن يتدبر، وإلا فأعد جواباً للسؤال في يوم المحشر، ومن لم ينتفع بكتاب الله لم تنفعه حجة، ولا تتضح له محجة.