[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  السيوطي في الدر المنثور عند قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء ٧٩]، وفيه دلالة على ما قلناه من ثلاثة وجوه: حيث جعل السائل يطلب الشفاعة في مكافأة الإحسان، وحيث قرره النبي ÷ وصوبه واستشهد له بالآية {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}[إبراهيم ٢٧]، وحيث قال له ÷ بعد ذلك: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».
  فهذه نبذة مما احتج به أئمتنا $ ومن وافقهم من علماء الإسلام من الكتاب والسنة على دخول الفساق من هذه الأمة النار وخلودهم فيها أبداً.
  وأما الإجماع: فقد أشار # إلى الاحتجاج به بقوله: (وإجماع العترة) $ منعقد (على ذلك) القول، لا يعلم خلاف بين اثنين في متقدميهم ومتأخريهم إلى عند حدوث من دخل من ذريتهم في مذهب المخالفين، وهو محجوج بإجماع سلفه، (وإجماعهم حجة) على كافة الأمة، كما تقرر فيما تقدم وفي كتبهم وكتب أتباعهم ($).
  وأما ما احتج به المخالفون فاعلم وفقك الله تعالى أن للمخالفين شبهاً عقلية وسمعية، والسمعية من الكتاب والسنة، فأما الإجماع فلا سبيل لهم إلى دعوى التمسك به؛ للعلم الضروري عند كل أحد من أهل العلم باختلاف المسلمين في هذه المسألة، وقد علمت مما مر أن المخالفين على أربعة أقوال، وكلهم يجمعهم القول بالإرجاء، والقائل به يسمى مرجئ، وقد وردت الأحاديث بذم المرجئة، وصار من يدعي العرفان منهم مع قوله بالإرجاء وهو تجويز العفو عن أهل الكبائر من دون توبة يرمي بتلك الأحاديث من قطع بأنه لا وعيد على مسلم أو قطع بالخروج من النار، بل اللازم عنده الرجاء، وهو التجويز والطمع في الغفران ودخول الجنة لأهل الكبائر ولو ماتوا مصرين عليها، وإنما قلنا: «وكلهم يجمعهم القول بالإرجاء» لأنه لا يخلو قول المخالف: إما أن يقول: إنه لم يرد وعيد على عصاة هذه الأمة أصلاً، أو يقول: بل قد ورد الوعيد عليهم، والثاني: إما أن يقطع بعدم