[الرجاء]
  حكيم بمعاملتهم بمقتضى الحكمة والعدل فيهم. ومما يدل على أن الإرجاء بمعنى التجويز والتأخير قوله تعالى حكاية عن الملأ من قوم فرعون {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء ٣٦]، أي: أَخِّر الحكم فيه إلى مجيء السحرة، ومن المعلوم أنهم لا يقولون ذلك إلا لجواز أو ظن بطلان ما جاء به موسى # من تلك المعجزة الباهرة التي اقتضت عندهم تجويز صدقه وتجويز كذبه، لكن سنكشف الحقيقة عند اجتماع السحرة للمناظرة.
  فظهر لك أيها الطالب الرشاد أن الإرجاء الحقيقي هو التجويز والتأخير، فلا معنى لقصر أهل التجويز الأحاديث الواردة في ذم المرجئة على من قطع بعدم الوعيد على عصاة هذه الأمة أو قطع بتخلفه؛ لأن الإرجاء لم يأت بمعنى القطع، بل الإرجاء بالمعنى اللغوي صادق على أهل التجويز، لكنه لما سئل ÷ عن المرجئة فقال: «قوم يقولون: الإيمان قول بلا عمل» وجب حمله وقصره على من ينفي كون الأعمال الصالحات من الإيمان، فإن كان في أهل التجويز من يقول بذلك دخل في زمرة المرجئة بالحقيقة الدينية، وإن لم فلا يجوز تسميته مرجياً إلا بالحقيقة اللغوية، فظهر لك صحة ما قلنا: إنه يجمعهم الجميع القول بالإرجاء، وإن دار بينهم الاسم بالحقيقة الشرعية أو اللغوية.
[الرجاء]:
  وأما الرجاء: فهو الأمل لحصول الخير مع فعل مقتضيه من الطاعات من دون قطع وتزكية للنفس وإعجاب بما فعل منها، يدل عليه قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: ثواب ربه {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف ١١٠]، وقوله تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ}[النساء ١٠٤]، أي: تؤملون من الخير ما لا يؤملون، وهو من الخصال الممدوحة وسيما الصالحين، وقد زعم أهل التجويز للعفو عن أهل الكبائر من دون توبة أن مذهبهم هذا هو الرجاء