[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  شك وريب فيما أخبر الله تعالى به، وهو لا يجوز إجماعاً؛ لأنه لا يجوز الوقف والتجويز والتردد إلا فيما أخبر الله به على سبيل الإجمال ولم يفصله ويبين حقيقة أمره، كقوله تعالى: {قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء ٨٥]، وقوله تعالى في عدة أهل الكهف: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ}[الكهف ٢٢]، أو فيما لم تقم عليه دلالة قاطعة، كالقول بأن الجنة والنار قد خلقتا أو لم تخلقا، فأما ما قد قامت الدلالة عليه فلا يجوز الذهاب إلى التوقف في أمره وشأنه، بل يجب الانقياد لما دل عليه الدليل الجاري على منهج السبيل.
  لا يقال: إنما ذهبنا إلى التوقف والتجويز لتعارض الأدلة في هذه المسألة، كما هو اللازم في كل ما وقع فيه التعارض في جميع المسائل الدينية.
  لأنا نقول: هذا باطل من وجهين:
  أحدهما: أن التعارض لا يدخل في القطعيات وأمهات المسائل الأصوليات، كما هو مقرر في موضعه من أصول الفقه؛ لتأدية ذلك إلى تناقض الدين، وتدافع كلام رب العالمين وأحكم الحاكمين، وإنما يقع التعارض في الظنيات الفرعيات الشرعيات التي يصح عليها النسخ، وتتعارض فيها الروايات وظواهر الأمارات.
  الوجه الثاني: أنه لا تعارض يوجب التوقف في هذه المسألة؛ لأن التوقف إنما يلزم عند تكافؤ الأدلة وعدم إمكان تأويل ما يدل على الآخر، فلا تعارض، سيما إذا كان الدال على أحدهما لا يحتمل التأويل بحال، كما مر في تعداد الآيات الخاصة بوعيد هذه الأمة، فإنها صرائح لا يمكن تأويلها، وما يستدل به المخالفون ليس إلا ظواهر منطوق ومفهوم من الآيات المتشابهة والأحاديث الآحادية التي لا تجوز معارضة القرآن بها، ولا يسلم صحتها وتوثيق رواتها.