تنبيه: [الاستدلال على الله تعالى بالسمع]:
  تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ٧٢}[القصص]، ثم قال: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٧٣}[القصص]، ففيها من الدلالة على إثبات الصانع تعالى وتذكير العباد بنعمته الجليلة ومنته الجزيلة عليهم باختلاف الليل والنهار - ما لا يحتاج إلى إيضاح. وآيةٌ ثالثة شاملة لجميع أصناف العَالَم، وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٦٤}[البقرة]، فانظر إلى هذه الآية الكريمة، وتأمل ما ذكر فيها من الدلالات المفيدة والآيات العديدة على سبيل الإيجاز غير المخل، والإعراض عن الإسهاب الممل - على أن كلامه تعالى لا يملُّ ولا يَخْلَق على كثرة الرد - وبلاغتها في المعنى، فإنه لم يذكر فيها سبحانه الملائكة والجنة والنار ونحو ذلك مما لم يكن معلوماً عند المحتج عليه بتلك الآية، والموجه إليه الخطاب بها، وهو الإنسان المكلف؛ لأنه لا يصح الاحتجاج إلا بما هو معلوم عند المخاطب ذاتاً مجهولٌ(١) دلالة، فنبه على الدلالة بذِكر اختلاف الليل والنهار صراحة، وغيرها ضمناً أو اقتضاء إن قدرنا المضاف - وهو «اختلاف» - في كل ما عُطِفَ وذُكِرَ بعد الليل والنهار. ثم ختم الآية بأبلغ ختام، وهو قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، فحكم لمن نَظَرَ وتَفَكَّرَ وعَلِمَ بذلك ثبوت الصانع الحكيم - بالعقل الوافر، وأدرج تعظيم المتفكرين العارفين في الإتيان بصيغة التنكير، وسَجَّلَ على مَن لم يتفكر ويتدبر في ذلك بعدم العقل ذمًّا له وإخراجاً له عن دائرة العقلاء، فسبحان من أحكم كلامه، ووضعه في أرفع درجات البلاغة،
(١) في المخطوطتين «مجهولًا» وهو غلط؛ لأنه معطوف على «معلوم».