[العالم محدث]
  وأوجده ورفعه عن طوق البشر ومشابهة كلام أهل الخلاعة، ولعمر الله إن وجود القرآن على هذا الوجه الذي يعجز عن الإتيان بمثله جميع المخلوقين كافٍ في الدلالة على إثبات الصانع الحكيم سبحانه، فكيف وما مِن مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا من سكون أو حركة في البر أو في بحور الماء إلا وفيه أدلة ظاهرة وبراهين قاهرة تدل على وجود القدير العليم:
  فيا عجباً كيف يُعصى الإلـ ... ـه أم كيف يجحده الجاحدُ؟
  ولله في كل تحريكة ... وتسكينة أبداً شاهدُ
  وفي كل شيء له آيةٌ ... تدل على أنه واحدُ
  وإذا تقرر من جميع ما مر أن العالم محدَثٌ، وأن محدِثه لا يصح أن يكون شيئاً مما يزعمه أهل الإلحاد كما مر حكايتها عنهم، وإبطالها كما مر أيضاً، وثبت في العقول بأن المحدَث لابد له من محدِث، ووجب عقلاً أنه لا يجوز العدول عن المعلوم إلى الخرص(١) الموهوم، بل يجب الاقتصار على ذلك المحقق المعلوم - وجب علينا القضاء والحكم (بأن الذي أحدثها وصورها وخالف بينها) ليس (هو) إلا (الفاعل المختار، وهو) الله الذي لا إله إلا هو (الحي القيوم) وأنه رب كل شيء وخالقه، وهو على كل شيء قدير.
  ولنختم هذه المسألة العظيمة التي هي أساس كل ما عداها من مسائل أصول الدين وفروعه، وعلى مدار الجهل أو العلم بها أُفولُ الإيمان وطلوعُه - بالقصيدة التي أنشأها كاتبُ الأحرفِ غفر الله زلته في سنة (١٣٢٩ هـ)، ثم عرضتها على شيخنا صفي الإسلام، وخاتمة المحققين في الكلام، أسكنه الله دار السلام، فَهذَّبها وقررها، فتشرفت بنظره الثاقب، وتجودت بتقريره الصائب، على أنها
(١) الخرص: الكذب.