(أقسام الحقيقة الشرعية):
  يفرقوا بين الدينية والفرعية، وأنهما معاً واقعتان، وأن لا خلاف بيننا وبينهم، قال: واعلم أنها اختلفت الكتب في نقل المذاهب في هذه المسألة إلى آخر ما ذكره. وتوقف الآمدي في الوقوع وعدمه؛ لتعارض الأدلة عنده، فلم يختر شيئاً، ذكره في الغاية وشرحها.
  قلت: المشهور من مذهب الأشعرية أنهم يقولون: إن الإيمان باق في معناه اللغوي وهو التصديق لم ينقل عنه، فيحمل أنهم إنما يخالفون في نقل الإيمان فقط دون سائر الحقائق الدينية كالنبي والإمام والفاسق والكافر؛ إذ لا غرض لهم في إنكار نقل أي هذه ولا غيرها من الحقائق الدينية، وإلا لزمهم أن كل من أنبأ عن شيء سمي نبياً حقيقة، وأن الله تعالى لم يسم النبي نبياً إلا مجازاً.
  لا يقال: أما الأول فوارد على الجميع لغة، وأما الثاني فممنوع؛ لأنه استعمل اللفظ في معناه الحقيقي، فهو ÷ نبي حقيقة؛ لأنه منبيء عن شرع الله تعالى.
  لأنا نقول: إذا أنكرتم النقل من الحقيقة اللغوية إلى الدينية لزمكم البقاء على الأصل أن تسموا كل منبيء نبياً، ولا يلزمنا؛ لأنه قد نقل عندنا. وأما الثاني فلأنه إذا كان النبي اسماً(١) لكل منبيء عن أي شيء على الإطلاق، ثم استعمله الشارع فيمن أنبأ عن شيء خاص، وهو ما شرعه الله تعالى من الأحكام، وأخبر به من أحوال المبدأ والمعاد فقد قصر اللفظ على بعض ما وضع له، واستعمله خاصاً به، وذلك أحد أقسام المجاز، وهو استعمال اللفظ المطلق في موضع المقيد، فالأظهر أنهم إنما أنكروا نقل الإيمان لا غيره من سائر الحقائق الدينية، ومن ثم ترى بعضاً منهم يسلم نقل الإيمان لكن لا إلى الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات، بل نقل من معناه الأصلي وهو مطلق التصديق إلى تصديق خاص، وهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء به محمد ÷ ضرورة، فمن كان كذلك
(١) في المخطوط: اسم.