الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(ما هو الإيمان؟):

صفحة 455 - الجزء 2

  وهذا الحد المذكور عن الأساس أوضح مما ذكره في القلائد عن أكثر المعتزلة من أن المؤمن: اسم لمن يستحق الثواب، والإيمان: اسم لجميع الطاعات واجتناب المعاصي؛ لأن المخالف يقول: إن المؤمن على ما نحده يستحق الثواب، فلا يكون الحد مانعاً وإن كان صحيحاً عندنا. وكذلك حد الإيمان بأنه اسم لجميع الطاعات يلزم عليه أن لا يسمى مؤمناً إلا من أتى بها أجمع، فتدخل النوافل وفروض الكفايات والتخيير وما وجد مانع من فعله؛ لأن الكل طاعات وإن قام البعض أو البدل في الكفاية والمخير، أو وجد المانع كمن به مرض يمنع من استعمال الماء أو الصلاة من قيام.

  لا يقال: فهذا وارد عليكم في قولكم: من أتى بالواجبات؛ لأن الكفاية والمخير داخلان في الواجبات.

  لأنا نقول: إن الكفاية والمخير لا يوصفان بالوجوب بكل حال، بل بالنسبة إلى بعض الأحوال، وهو حيث لم يقم الغير بالكفاية، أو لم يفعل المكلف ما هو بدله في الواجب المخير، ولا يستقيم هذا فيما ذكر من الحد الآخر؛ لتأكيد الشمول بقوله: لجميع الطاعات. ومثل ما ذكره في القلائد ذكره القرشي | في المنهاج، ولعل ذلك من المعتزلة ومن وافقهم على ذلك الحد من الأصحاب مبني على القول بالموازنة؛ لأن من زادت حسناته على سيئاته استحق الثواب ولو كانت الزيادة بسبب النوافل، وهذا وإن فرضنا صحته لكنه يعكر عليه حدهم الإيمان بأنه: اسم لجميع الطاعات واجتناب المعاصي، وزادوا فيه: واجتناب المكروهات: ليلاحظوا إدخال ثواب تركها في الموازنة، فلزمهم على ذلك أن يوجد المؤمن من دون أن يوجد منه الإيمان، بأن يفعل من الطاعات واجبات ومندوبات وترك مكروهات ما يزيد ثوابه على عقاب معاصيه وإن أخل ببعض الواجبات أو ارتكب بعض المعاصي، فها هنا المؤمن موجود والإيمان مفقود لإخلاله ببعض الواجبات وارتكاب ما ارتكب من المعاصي.