(ما هو الإيمان؟):
  ثم حكاية الإمامين قدس الله روحهما الحد الأول عن جمهور المعتزلة والأخير عن أكثر المعتزلة لا يخلو أحدهما عن نظر وتسامح بالنظر إلى ما بين الحدين من التفاوت الذي ذكرناه في المعنى، وإن كان مراد الجميع إخراج صاحب الكبيرة عن الإيمان وعن كونه مؤمناً، فتأمل.
  هذا، وقد جعل شارح الأساس ما ذكر فيه من حد الإيمان ثلاثة أقوال باعتبار الاختلاف بين أئمتنا $ وجمهور المعتزلة وبين الخوارج في حكم من لم يكن مؤمناً، وهو مرتكب الكبيرة فهو عندهم كافر، وهذا لا يوجب التعداد في حد الإيمان وجَعْله بين من ذكر على ثلاثة أقوال؛ لأنه قول واحد وهو: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات، وإن اختلف في صاحب الكبيرة فأمر وراء ذلك، ولعله # في ذلك تابع تعداد النجري الأقوال حتى أنهاها إلى عشرة في حد الإيمان الشرعي وماهيته، والصحيح أن ليست إلا ثمانية، لكن جريا على تحريرهما، ولا مناشبة في مثل ذلك، وزيادة في الفائدة نقول:
  القول الثاني: قول البكرية والفضلية من فرق الخوارج: هو المعرفة بما تجب معرفته، والطاعة في كل ما أمر به أو نهى عنه. وأي خصلة أخل بها من ذلك: بأن لم يعرف ما وجب، أو فعل ما نُهي عنه، أو ترك ما أُمر به فذلك كفر.
  القول الثالث: قول الأزارقة والصفرية من فرق الخوارج: الإيمان: اسم لجميع الطاعات، وكل ما ورد فيه وعيد من المعاصي فكفر، فإن لم يرد عليه وعيد فلا كفر. فهذا القول أخص من ما قبله، وهو بناء على أن في المعاصي ما لا وعيد عليه، وهو باطل، هكذا قاله شارح الأساس والنجري رحمهما الله تعالى، وفي قولهما نظر؛ لأنهم إن أرادوا بذلك إخراج صاحب الصغيرة عن التكفير فلا شك أن ذلك حق، وإن أرادوا إخراجه عن كونه متوعداً ففي ذلك خلاف، بل قد ذهبت البغدادية إلى أنه لا يجوز العقاب عليها، وإن أرادوا أن في الكبائر ما لا وعيد عليه فمسلم بطلانه، لكن لا يتأتى أن هذا مرادهم؛ إذ لا تصير المعصية