الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه

صفحة 482 - الجزء 2

  بلسانه، ولأن المعلوم أن من اعتقد إلهاً مع الله تعالى فهو كافر وإن تبرأ من سائر الأديان ودان بدين الإسلام.

  وخالف في الثاني: أبو هاشم، وقال: القول وحده لا يدخله كفر، وإنما يقع الكفر بما ينضم إليه من اعتقاد أو غيره، على ما حكاه عنه النجري، ولعله لا يقول ذلك إلا فيمن دخل في دين الإسلام، فلا يكفر بقول كفري حتى يعتقده أو يفعل ما يدل على اعتقاده كالسجود لغير الله، فأما من كان خارجاً عن الإسلام فلا يخالف في كفره وإن لم يعتقد أو يفعل شيئاً من الأمور الكفرية.

  وخالف في الثالث: الأشاعرة على ما حكاه النجري عنهم، فقالوا: لا كفر بفعل الجوارح مهما كان القلب مصدقاً بالله ورسوله وما جاء به محمد ÷ ضرورة، ولعل ذلك إلزام لهم لا تصريح⁣(⁣١) منهم، فإن صح عنهم ذلك قلنا: السجود لغير الله تعالى كفر بلا ريب وإن لم يعتقد إلهيته.

  وخالف في الرابع: أبو علي، وقال: لا كفر بعدم العلم بالله تعالى وبنبوة محمد ÷، وإنما الكفر هو في ترك العلم بذلك، والترك عنده فعل يُكَفَّر به، وهو خلاف في العبارة؛ محافظةً منه على أصله أن التروك أفعال، وأن جهة أن لا يفعل المكلف شيئاً لا تكفي في استحقاق المكلف العقاب أو الثواب حتى يترك فيكون الترك فعلاً يستحق العقاب أو الثواب عليه، قال الإمام المهدي # في الرد عليه: قلنا: من لم يعرف الله تعالى مع التمكن من معرفته كفر؛ إذ هو جهل بالله تعالى، وهو كفر إجماعاً. قال النجري ¦: واعلم أن أبا علي يوافق في كفره، لكنه يعلقه بالترك لا بالنفي، وأبو هاشم بالنفي، فالاحتجاج عليه بمثل هذه الحجة قليل الجدوى، وإنما يبطل مذهبه بما ثبت من أن النفي يصلح جهة للاستحقاق.

  قلت: وكلام النجري فيه نظر؛ لأنه يظهر ثمرة الخلاف بين الشيخين فيما إذا


(١) في المخطوط: لا تصريحاً.