الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه

صفحة 483 - الجزء 2

  فرضنا شخصاً لم يخطر بباله حدوث العالم وثبوت صانعه بنفي ولا إثبات، بل هو عن هذا الأمر مغرب، فأبو هاشم يحكم بكفره لجهله بالله تعالى وإن لم ينفه؛ لأنّ أنْ لا يفعل جهة كافية، وأبو علي لا يحكم بكفره حتى يترك العلم، ولا يتحقق الترك إلا بعد خطور المتروك بالبال، فمتى خطر بباله أمكن تركه؛ لأن ترك ما لا يخطر بالبال مستحيل، وإلا لزم أنا تاركون كل ما لا نعلمه وهذا لا يصح، وإنما الذي يصح أن يقال: لم نفعل ما لا نعلمه، وحينئذ تعرف أن احتجاج الإمام # قوي؛ لتناوله صورة المثال، لكن الحكم بالكفر على من هذا حاله مما يحتاج إلى دليل؛ لأن تكليف الغافل مستحيل من قبيل منافاة العدل والحكمة، وقد أشار الإمام # إلى معنى هذا بقوله: مع التمكن، ولا تمكن إلا مع خطور الأمر بالبال، فلا بد من تحقيق الكلام في ذلك حتى ينزاح الإشكال فأقول: قال الإمام المهدي # في غرر الفوائد شرح نكت الفرائد ما لفظه: فإن قلت: فإن لم أظن عقاباً، قلت: لا بد أن تظنه بأن تسمع واعظاً أو قاصاً أو ترى تهليك الأمم بعضها لبعض، فتقول في نفسك: لا نأمن أن يكون لك صانعاً صنعك ومدبراً دبرك، إن أطعته أثابك، وإن عصيته عاقبك، أو نحواً من ذلك، فإن لم يحصل لك شيء منها فالواجب على الله تعالى ينول الخاطر، والنول: كلام خفي يلقيه الله تعالى في باطن سمعك أو في ناحية صدرك مثل ما قدمنا، وإلا كان تكليفه لنا كتكليف الساهي والنائم، وذلك قبيح، والله يتعالى عن فعله. انتهى كلامه، والمسك ختامه وأي ختام، وبه يندفع الإشكال بأن يقال: المراد من الجهل الذي يتفرع عليه التكفير هو الجهل بالله تعالى بعد أن يخطر بالبال ما عنده يلزم التفكر في العالم ويحصل بحدوثه وإثبات الصانع وكمال صفاته، فمتى خطر ذلك بالبال ثم ترك النظر الموصل إلى العلم فهو جاهل بالله تعالى جهلاً يمكن معه المعرفة، فيتناوله التكفير بالجهل المذكور، ومتى لم يخطر ذلك بباله حتى مات، وهذا لا يتأتى إلا فيمن لم يكمل عقله كالصبي والمجنون فيسقط التكليف عنه حينئذ،