الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[الدليل على أن الكفر يقع بأحد الوجوه الأربعة المذكورة]

صفحة 484 - الجزء 2

  ولا يتأتى ذلك فيمن كمل عقله بأن أدرك علوم العقل العشرة وكان من أهل الدهاء والذكاء، فلا بد أن الله تعالى قد أنذره وأبلغه الحجة على أي وجه كان، ولو كما قال الإمام #: فالواجب على الله تعالى أن ينول الخاطر الخ كلامه، وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}⁣[الإسراء ١٥]، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ}⁣[فاطر ٢٤]، {وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ}⁣[فاطر ٣٧]، والنذير: يشمل الرسول وغيره من الأمارات التي يحصل بها الإنذار والتحذير، وحينئذ فيكون الخلاف بين الشيخين هو عند أن يخطر ببال المكلف ما عنده يلزم التفكر والنظر فلم يحصل التفكر والنظر، فقال أبو علي: هو تارك، والترك فعل فيستحق العقاب عليه، وقال أبو هاشم: هو تارك أيضاً، والترك ليس بفعل يستحق العقاب لأجله، ولكن يستحق العقاب للجهل مع التمكن، ولا خلاف بينهما في كفره، لكن خالف أبو علي أن العقاب هو على الجهل، ولعله إنما خالف في أن العقاب هو على الجهل لئلا يلزم تكفير وعقاب من جهل ذلك على خلاف الوجه المذكور، بأن لم يخطر له الأمر على بال أصلاً، وقد قدمنا أن حصول ذلك لا يتأتى، وبهذا ينزاح الإشكال، وإلى الله المصير وعليه الاتكال.

[الدليل على أن الكفر يقع بأحد الوجوه الأربعة المذكورة]:

  مسألة: والذي يدل على أن الكفر يقع بأحد الوجوه الأربعة المذكورة أنه لا خلاف بين المسلمين في تكفير جميع الفرق الخارجة عن الإسلام، وهو أيضاً معلوم من دين النبي ÷ ضرورة، والخارج عن الإسلام لا يخرج عنه إلا بأحد الوجوه الأربعة أو اثنان منها أو أكثر، فلزم أن كل واحد منها كاف في حصول الكفر؛ لأن المكلف يصير كافراً بخصلة واحدة من خصال الكفر، فإذا كانت الخصلة الواحدة من خصال الكفر كفراً فبالأولى النوع الذي تدخل تلك الخصلة تحته، كالقول فإنه تعالى يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}⁣[المائدة ١٧]، وكذلك الاعتقاد المخالف لإثبات الصانع جل