[مسألة: هل يجوز كفر لا يدلنا الله تعالى عليه؟]
  والثاني: أن يقع ذلك الفعل من شخص بين أظهرنا ولا يدلنا الله تعالى أنه فعله.
  أما الطرف الأول فقال جمهور المتكلمين: لا يجوز كفر ولا يدلنا الله تعالى على كونه كفراً. وقال المؤيد بالله والإمام يحيى @ والبستي من أصحابنا، وأبو الحسين وابن الملاحمي وأبو رشيد من المعتزلة: يجوز ذلك.
  حجة الجمهور: أن الله تعالى تعبدنا بأحكام تتعلق بالكافر: من وجوب قتاله، وتحريم الموارثة، وأكل ذبيحته، ومناكحته، والدفن في مقابر المسلمين، والصلاة عليه، والاستغفار له، فإما أن يكون ذلك عاماً في كل كفر لزم أن يبين لنا كل كفر، فلا يجوز كفر لم يبينه لنا، وهو المطلوب، وإما أن يكون ذلك خاصاً بكفر دون كفر لزم أن يبين الكفر الذي تلزم فيه تلك الأحكام، وأن يبين الكفر الذي لا تلزم فيه، فلزم بيانه والدلالة عليه بكل حال.
  وحجة الآخرين: أنا إنما تعبدنا بهذه الأحكام لمصلحة يعلمها الله تعالى، ومن الجائز أن تتعلق هذه المصلحة بكفر دون كفر، فلا تلزم الدلالة على كفر بعد أن بين جميع المحرمات؛ لأن المصلحة العامة هي في بيان جميع المحرمات لا في بيان أن هذه كفر وهذه غير كفر، لما في ذلك من لزوم الإغراء بما ليس بكفر.
  قيل عليه: لا يلزم الإغراء؛ لجواز كونه فسقاً، فتجويز كونه فسقاً صارف عن الإغراء.
  ويمكن الجواب: أن تجويز كونه فسقاً يلزم معه تجويز كونه غير فسق، فلا ينزاح لزوم الإغراء. وهذا جيد، ويؤيده أن الجمهور جوزوا ثبوت فسق لا يدلنا الله على كونه فسقاً، وقالوا: لا يلزم من تعيين بعض ما هو فسق الإغراء بما عداه؛ لأن ما عداه يجوز كونه فسقاً وكونه غير فسق، فيقال: ملتبس، ولا يقال: «صغيرة» حتى يلزم الإغراء بفعله، بل يلزم اجتناب الجميع، فيقال لهم: فجوزوا في الكفر كذلك، فإن فرقوا بأن للكفر أحكاماً مخصوصة تعبدنا بها، قيل لهم: وكذا الفسق تعبدنا الله بأحكام تتعلق به: من رد شهادة الفاسق، ونصبه إماماً أو