الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[إذا علمنا أن للعالم صانعا مختارا فهل العلم بصفاته ضروري]

صفحة 110 - الجزء 1

  استدلالاً؛ لأنه لا يمكن العلم بالذات استدلالاً والعلم بصفتها ضرورة.

  قلنا: لم ندعِ أن العلم بالصفات ضروريٌّ بكلِّ حالٍ، بل قلنا: إنه بعد العلم بالذات سواء عُلمت الذات ضرورة كالمشاهدات، أو استدلالاً كالباري تعالى والملائكة والجن ونحو ذلك، والباري تعالى إنما عُلم بفعله المحكم، والفعل المحكم يستلزم العلم لنا ضرورة أنه لا بد أن يكون فاعله قادراً عالماً حيًّا موجوداً، وإلا لجوزنا فعلاً محكماً ممن ليس كذلك، فيؤدي إلى تجويز الفعل ممن هو عاجز جاهل ميت معدوم، وهو محال، أو تجويز الفعل بلا فاعل، وهو محال أيضاً. وكذلك العلم بصفات الملائكة والجن، فإنا بعد العلم بهم الاستدلالي - وهو إخبار الرسل À بهم، وأنهم أحياء مكلفون - فإنا نعلم ضرورة أنهم عند تكليفهم موجودون أحياء قادرون عالمون بما كُلِّفوه. وكذلك لو علمنا وجود ملك في أقصى الأرض علماً استدلالياً بما يرسله ويجهزه من الجنود والآلات الحربية - فإنا نعلم ضرورة أنه عند ذلك قادر عالم حي موجود.

  قالوا: يحتمل التشكيك بالطبع ونحوه من المؤثرات على سبيل الإيجاب.

  قلنا: محل هذا التشكيك عند الكلام على إثبات الصانع، لا بعد إثباته بالأدلة التي اقتضت أنه فاعل مختار فلا مجال لذلك، فتأمل.

  وحيث قد عرفت أن المؤلف # من أهل القول الثاني، فقد أفرد لكل مسألة فصلاً لذكر دليلها وتقرير العلم بها، وفي التحقيق لا مشاححة في نحو هذا، فهو كما في نزول الآيات على المؤمنين فيزدادوا بها إيماناً إلى إيمانهم ويقيناً إلى يقينهم، فعليه يكون انبناء ما سيصدر من القلم في أثناء هذا الشرح من الكلام الدال على كمال قدرته وإحاطة علمه تعالى على كل شيء وبكل شيء.