الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة فيما يكون به المكلف كافرا]

صفحة 490 - الجزء 2

  وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}⁣[الإسراء ٧٥]، وقوله ÷: «والذي نفس محمد بيده للزبانية من الملائكة أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة النيران والأوثان، فيقولون: يا رب بُدِءَ بنا سُورع إلينا يا رب، فيقول الرب تبارك وتعالى: ليس من يعلم كمن لا يعلم» رواه عن أمالي أبي طالب.

  قلت: الأظهر والله أعلم أنه لا ينبغي إطلاق القول في الجانبين، بل يمكن أن يكون في بعض الفسق ما عقابه أكثر من أدنى كفر، كمن قتل النفوس وقطع السبيل وظلم الأيتام وبالغ في ارتكاب الفواحش وإن لم يأت بخصلة كفرية، هذا وقد قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}⁣[غافر ٤٦]، وهذا يدل أن ما ذكره الإمام الشرفي # ليس على إطلاقه، وقال تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}⁣[البقرة ٢١١]، وقال تعالى لما طلب حواريو عيسى # المائدة: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ}⁣[المائدة ١١٥]، أي: يكفر شكرها وإن لم يكفر صريحاً، وهو الفاسق، وهذا يدل على أن ما ذكره أهل القول الأول ليس على إطلاقه، غير أن المعلوم أن الكفر على الجملة أكثر عقاباً من الفسق على الجملة.

  وأما ما استدل به أهل القول الأول بأن للكافر أحكاماً غليظة؛ إذ تستباح به الأرواح والأموال، وينفسخ به النكاح فمعارض بأنه قد يكون في الفسق مثل ذلك، كقتل القاتل عمداً، ورجم الزاني المحصن، وأخذ مال الباغي فيما أجلب به إلى المحطة، وفسخ نكاح المتلاعنين، وتحريم ميراث القاتل مورثه عمداً، ونحو ذلك، ولأنه قد حكم عليه بما هو أشد من ذلك وهو نار جهنم، نسأل الله السلامة.

[مسألة فيما يكون به المكلف كافرا]:

  مسألة: قال أئمتنا $ وجمهور المعتزلة: ويصير المكلف كافراً بخصلة واحدة من خصال الكفر، ولا يصير مؤمناً بخصلة واحدة من خصال الإيمان.