[مسألة فيما يكون به المكلف كافرا]
  قال النجري ¦: فإن قيل: فما الفرق؟ فإن المؤمن والكافر اسما فاعل، واسم الفاعل مشتق من فعله قل أو كثر، كالضارب لمن فعل ضرباً ما، وقد جريتم على القياس في الكافر؛ إذ سميتموه كافراً بخصلة واحدة، وخالفتموه في المؤمن؛ إذ حكمتم أن لا يكون مؤمناً ولو فعل خصالاً كثيرة من الإيمان؟ قال: والجواب أن المؤمن والكافر وإن كانا في الأصل مشتقين، لكنهما قد صارا في الشرع غير مشتقين، بل اسمين لمن يتصف بصفات مخصوصة، فالمؤمن اسم لمن يستحق الثواب، والكافر لمن يستحق أعظم أنواع العقاب، الخ ما ذكره.
  وقال شارح الأساس #: والحق أن ذلك إنما هو لعدم نقل تسمية الكافر دون المؤمن، فتأمله. انتهى.
  قلت: وكلا الجوابين فيه نظر، أما الأول فلإنكار اشتقاقهما، والمعلوم أن اسم الفاعل مشتق من فعله بضرورة القاعدة العربية، فلا وجه لإنكار اشتقاقهما بعد النقل من المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي، لكن يقال: هما مشتقان من المعنى الشرعي الذي نقل إليه اسم الإيمان واسم الكفر، فالإيمان نقل إلى الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات، والكفر إلى معصية مخرجة من الملة، وهي جحد الباري تعالى، أو الجهل به أو بشيء من صفاته التي يتميز بها عن غيره، أو إثبات ثان له، أو سبه، أو تكذيب نبي له، أو رد ما علم من الدين ضرورة، فأولاً كان المؤمن والكافر مشتقين من معناهما اللغوي وهو التصديق والتغطية، ثم بعد النقل للإيمان والكفر إلى المعنى الشرعي صارا مشتقين منه، وهو ما ذكر، فلا وجه لإنكار اشتقاقهما بعد النقل؛ لأنه يلزم عليه مؤمن من دون إيمان، وكافر من دون كفر؛ لأنهما إذا لم يكونا مأخوذين من الإيمان والكفر صح ثبوتهما من دونهما؛ إذ لا معنى للاشتقاق إلا الموافقة في الحروف واتحاد المعنى، فظهر ضعف ذلك الجواب، ولعله يبنيه على القول بالموازنة مع أنها(١) لا يستقيم على القول بها، فتأمل.
(١) «أنه» ظ.