(فصل:) في الكلام في حقيقة الكفر وأحكامه، ومسائل التكفير وأقسامه
  والجواب والله الموفق للصواب: يؤخذ من كيفية دلالة اللفظ على ما دل عليه بالمنطوق، وقد قسم أهل الأصول دلالة اللفظ إلى ثلاثة أقسام: مُطَابقةٍ، وتضمنٍ، والتزامٍ:
  فالأول: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من دون زيادة ولا نقص، كدلالة إنسان على الحيوان الناطق، وكدلالة الحيوان الناطق على الإنسان.
  والثاني: دلالة اللفظ على بعض ما وضع له، كدلالة الإنسان على الناطق أو على الحيوان، وكدلالة الكل على الجزء الداخل فيه.
  والثالث: دلالة اللفظ على لازم ما وضع له، كدلالة الإنسان على الضاحك، فالأولان من قسم الصريح الذي لا يحتمل اللفظ معنى غيره، الأول فيما وضع له، والثاني في بعض ما وضع له، ومثل ذلك لفظة عشرة، فإنها تدل على الخمستين أو خمسة أزواج أو أربعتين ونصف بالمطابقة، يعني من دون زيادة ولا نقصان ولا احتمال لغير ذلك، وتدل على التسعة فما دونها إلى الواحد بالتضمن، فمهما أقر مقر بعشرة دراهم علم أنه مقر بدرهم فما فوقه إلى التسعة بالتضمن، وإلى العشرة بالمطابقة. والثالث ليس من قسم الصريح وإن كان من قبيل المنطوق، فيعبر عنه باللازم، ثم إذا كان اللازم خاصاً بالملزوم لا يعدوه إلى غيره كدلالة ضاحك على الإنسان صار كالأولين في عدم احتمال غير الإنسان، وتصير دلالته قطعية، وإن لم يكن خاصاً بالملزوم كدلالة ماش على الإنسان صارت الدلالة محتملة؛ لأن الماشي قد يكون غير إنسان كالفرس.
  ومن هنا يظهر وجه الاختلاف في صحة التكفير باللازم من عدمه، وصحة كفر التأويل من عدمه، وسبب الاختلاف في كفر المجسمة والمجبرة والمرجئة والمطرفية والرافضة والخوارج والمقلدة، دون من رد ما علم من الدين ضرورة كإثبات المعاد، ومن سب نبياً أو قتله، أو استحل ما علم من الدين ضرورة تحريمه، أو أنكر وجوب ما علم من الدين وجوبه ضرورة، مع كون الكل من