الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر

صفحة 112 - الجزء 1

  عاجز عن الجمع بين الضدين، ولا أن يقال: إنه قادر على ذلك؛ لأن العجز والاقتدار على الفعل متفرعان على كون الفعل ممكنًا في ذاته، فأما وهو مستحيل في ذاته فلا يتصف بأيهما؛ لأن الوصف بأيهما يستلزم أن الفعل ممكن في ذاته، فهو غلط؛ لعدم صحته، وكذبٌ؛ لعدم مطابقته الواقع.

  ويدخل فيه أيضاً فاقد الشرط المتمكن من تحصيله كالقيام وفتح الباب في رد الوديعة والمظلمة من الصحيح الحاضر، فإنه إذا ترك رد الوديعة والمظلمة بإخلاله بالقيام وفتح الباب لا يخرج بذلك عن كونه قادراً، فأما إذا تركهما لمرض مدنف⁣(⁣١) فإنه يخرج به عن كونه قادراً.

  ويدخل فيه أيضاً فاقد الآلة كالدواةِ والقلمِ والرَّقِّ⁣(⁣٢) في الكتابة في حق من يقدر عليها، فإن فقد ذلك لا يخرجه عن كونه قادراً، وهذا واضح.

  فإن قيل: فهلا زِيْدَ في الحد «مَن يصح منه الفعل الممكن»، فَلِمَ حذفتم لفظة «الممكن» واستغنيتم عنها؟

  قلنا: لأن المستحيل لا يقال له فعل، فلم يتناوله قولنا: «صحة الفعل» حتى يحتاج إلى إخراجه بما اعترض به السائل؛ إذ المستحيل ليس بشيء، فلا يتناوله العموم في قوله تعالى: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}⁣[البقرة ١٠٩].

  فإن قيل: فقد حددتم الشيء بقولكم: «هو ما يصح العلم به والخبر عنه» والمستحيل يصح العلم به، والخبر عنه بأنه لا يمكن وجوده، وهذا لا يسعكم إنكاره، وَلَئِنْ وسِعَكم إنكار دخوله في عموم قوله تعالى: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ما أمكنكم إنكارُ دخوله في عمومِ في قوله تعالى: {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}⁣[البقرة ٢٩].

  قلنا: أمَّا على أصل بعض أئمتنا $ وبعض شيعتهم وبعض المعتزلة


(١) الدَّنَف - بفتحتين -: المرض الملازم. (مختار).

(٢) الرَّقُّ - بالفتح -: ما يكتب فيه، وهو جلد رقيق، ومنه قوله تعالى: {فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ}⁣[الطور ٣].