فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  والأشعرية القائلين بأن الشيء خاص بالموجود فقط فلا يرد السؤال، ولا يدخل في عموم الآيتين، وأمَّا على أصل بعض أئمتنا $ وبعض شيعتهم وبعض المعتزلة القائلين بأن الشيء يتناول الموجود والمعدوم - كما مر تحقيق المذهبين - فإنهم يخصون المعدومَ الممكنَ وجوده بصحة إطلاق الشيء عليه، فلا يدخلُ في ذلك المستحيلُ، فلا يتناوله عموم الآيتين. وأمَّا أنه يصح العلم به والخبر عنه فقد قال سيدي شرف الإسلام الحسين بن الإمام القاسم @ في شرح الغاية: وقد يعتذر عن هذا بأن المعدوم والمستحيل يسمى شيئاً لغة.
  قلت: لكن النظر في ذلك هل حقيقة أو مجازًا؟ وعلى كل حال فالعقل هو الذي صرف اللفظ عن عمومه في: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بإخراج ذات الباري تعالى والمستحيل، وأبقاه على ظاهره في: {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}؛ لأن ذاته والمستحيل من جملة المعلومات وليست من جملة المقدورات. وما ذكرناه من الحد هو على رأي جمهور أئمتنا $ ومَنْ وافقهم من القائلين بأن صفات الله سبحانه ليست زائدة على ذاته.
  وقال بعض أئمتنا $ ومَنْ وافقهم: القادر: هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه أن يفعل وألَّا يفعل. وبعضهم يقول: لكونه عليها يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال. ثم يفسرون تلك الصفةَ بكونه قادراً.
  قلت: وهما في الاحتراز بمعنى الأول، إلا أنَّ هذين الحدين معترضان بأنهم فسروا الصفةَ بكونه قادراً وهم في تحديد القادر، وذلك معيب عند أهل الحدود، ومبنيان على أن الصفات أمور زائدة على الذات شاهداً وغائباً، ولا يسلم إلا في الشاهد، فأما في الغائب فسيأتي الكلام على ذلك وتحقيقه بمحله إن شاء الله تعالى.
  واعلم أنه يُشْكِلُ على قولنا: «الله قادر وعالم» وقولنا: «زيدٌ قادر وعالم» بالنظر إلى الاشتقاق اللغوي؛ وذلك أنَّ القادر والعالم مشتقان من فعل القدرة والعلم كـ «ضارب» و «قاتل»، وهذا المعنى في وصفنا لله تعالى بأنه تعالى قادر وعالم