الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

صفات الفاسق:

صفحة 525 - الجزء 2

  فاسق إلاَّ الكافر، وأن المراد بالكبائر ما كان كفراً، وليس ذلك مراداً به الاحتراز أن الكافر لا يكون فاسقاً، بل هو فاسق وزيادة؛ لأن الفسق بمجرد ارتكاب أي كبيرة كانت، والكفر اسم لارتكاب كبيرة ورد الشرع بخروج صاحبها من الملة، وقد مر الكلام في حد الكبيرة والاختلاف فيه بما لا حاجة لإعادته، وقد علم مما مر أن المعاصي كفر وفسق وعصيان مطلق غير مقيد بكفر ولا فسق، ويعبر عنه بالملتبس بين الصغر والكبر، ويدل على صحة هذا التقسيم قوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}⁣[الحجرات ٧]، فأما الكفر فقد مر الكلام فيه وأنه أنواع متعددة، وأما الفسق فهو كذلك أنواع متعددة، منها ما قد علم من الدين ضرورة أنه فسق، وأن مرتكبه فاسق (نحو الزاني، وشارب الخمر، والقاذف) للمحصن، وهو المؤمن ظاهر العفة عن الزنا ذكراً كان أو أنثى، وسواء كان القاذف ذكراً أو أثنى.

  (و) كذلك (من فر من زحف المسلمين) المحقين، لا إذا كان في زحف الكفار أو البغاة، فالفرار من زحفهم قد يكون واجباً حيث يكون المقاتَل بفتح التاء مبغياً عليه، وكذا لو التبس الحال أيهما المبغي عليه وأيهما الباغي فالواجب على المؤمن التنحي عنهما معاً، والفرار إن كان قد خرج مع إحدى الفئتين، إلا إذا كان في حضوره وقتاله صلاح للإسلام وتوهين لجانب الكفر أو البغي لم يجب عليه الفرار، بل يحسن الثبات، ويجب إن كان يخشى ضرراً على المسلمين بفراره أو كان عن أمر الإمام، فمن فر من زحف المسلمين (غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فسق) المتحرف للقتال: هو الكر بعد الفر، يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه، وهو باب من خِداع الحرب ومكائده. والمتحيز: هو المنحاز إلى فئة، إي: جماعة أخرى من المسلمين، ذكره في الكشاف، وظاهره أن الفرار إلى تلك الفئة لا يكون فسقاً ولو كانوا فُرَّاراً، والأظهر أنه إنما يكون كذلك إذا كان في تلك الفئة ولي الأمر أو أمير الجند، أما إذا كان فرار الجميع إلى غير ذلك فظاهر