(فصل:) في حقيقة الفاسق وما تجب من معاملته
  الكتاب والسنة، قال: ولم تجد المعتزلة آية من كتاب الله تعالى أن الفاسق لا يجري عليه اسم الكفر.
  قلت: ولعل الجمهور يجيبون عن هذه الحجج بأن ظاهرها يدل على الكفر الصريح، ولا قائل به في مرتكب الكبيرة من هذه الأمة إلا بعض الخوارج كما مر، فلابد من تأويلها على كلا المذهبين، وإذا كان كذلك فالمراد بها من خالف مستحلاً، ولا خلاف في كفره الكفر الصريح، وفيه حمل الكفر على حقيقته وظاهره، وهو الواجب مهما لم تلجيء الضرورة إلى تأويل اللفظ، وفيه من التجوز حمل التاركِ المطلقِ في الآيات والأحاديث على المقيد وهو المستحل، فيكون من باب وضع المطلق موضع المقيد، وهو مجاز اقتضاه الدليل، وهو منع تسمية تارك الواجب أو فاعل المحرم من هذه الأمة كافراً صريحاً، وهو مجاز اقتضاه الدليل أيضاً، وهو ورود هذه الآيات والأحاديث بتكفير من خالف من هذه الأمة، مع الإجماع أنه ليس بكافر صريحاً إلا ما ذهب إليه بعض الخوارج، فلا بد من حمله على كافر النعمة، وهو الفاسق من هذه الأمة حيث لم يستحل ذلك. وعلى قول الناصر # ومن معه من حمل لفظ التارك على حقيقته وظاهره كما هو الواجب مهما لم تلجئ الضرورة الى تأويل اللفظ، وفيه من التجوز حمل الكافر المطلق في الآيات على المقيد وهو كافر النعمة.
  فقد علمت أيها المسترشد أن في كلٍ من المذهبين ارتكاب المجاز في جانب، واستعمال الحقيقة في جانب، ففي كل منهما قوة وضعف، فتأمل.
  ومحل النزاع إذا تأملت راجع إلى لفظ الكفر: هل نقل شرعاً من معناه العرفي وهو الإخلال بالشكر إلى معنى آخر وهو الكفر الموجب للخروج من الإسلام كما هو قول الناصر # ومن معه؟ فعلى كلام الجمهور لا يجوز بعد ذلك النقل إطلاقه إلا على من خرج من الملة، فإن أطلق على غيره وهو من أخل بشكر المنعم فمجاز، وعلى قول الناصر # ومن معه حيث لم يسلموا النقل يجوز أن