الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(فصل:) في حقيقة الفاسق وما تجب من معاملته

صفحة 535 - الجزء 2

  يسمى كل من أخل بالشكر للمنعم كافراً حقيقة، سواء خرج من الملة أم لا، لكن يقيد فيمن لم يخرج من الملة بالإضافة إلى النعمة، وعلى قول الناصر # ومن معه فيه حمل لفظ التارك على حقيقته وظاهره كما هو الواجب مهما لم تلجي الضرورة إلى تأويل اللفظ، وفيه من التجوز حمل الكافر المطلق في الآيات والأحاديث على المقيد وهو كافر النعمة لئلا يوهم أنه ليس من الأمة ولا من أهل القبلة، والقرينة عندهم معينة لا صارفة، فهي القرينة التي ترد لتعيين اللفظ المشترك وقصره على أحد معنييه، لا القرينة التي ترد لصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، وهذا كلام جيد، إلا أنه يرد عليه أن يقال: فالآيات والأحاديث التي احتججتم بها لم يضف فيها الكفر إلى النعمة حتى يتم الاستدلال.

  ويمكن الجواب عليه بأن يقال: إنما حذفت القرينة فيها وأطلق اللفظ ليصح إرادة العموم والوعيد لمن ترك مستحلاً وجاحداً ومن ليس كذلك، فيلزم حذف القيد لئلا ينافي عموم الوعيد، وتكون القرينة في حق غير المستحل عقلية، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فإن العقل خصص من هذا العموم ذاته ø، دون قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فهو على عمومه، وهو تعالى شيء لا كالأشياء، لكن لو ذكر هذا القيد في كلا الآيتين أو أحدهما فالعموم المراد فيهما، الأولى لجميع ما عداه ø، والثانية لجميع المعلومات؛ لأن ذاته ø من جملة المعلومات، وليست من جملة المقدورات، وأيضاً لو ذكر هذا القيد بأن قيل: هو على كل شيء لا كالأشياء قدير، وبكل شيء لا كالأشياء عليم، لفسد المعنى فيهما؛ للزوم أن لا مقدور له ولا معلوم له ø إلا ذاته، فعلم من هذا أن القرينة متى كان إظهارها يخل بالمعنى لزم حذفها، ويحال العلم بها إلى العقل، فتقدر فيما يصح إظهارها فيه، ويترك التقدير فيما لا يصح، وهذا القول أعني قول الناصر ومن معه مبني على أن الشكر العقلي واجب بالجنان واللسان والأركان، ويدل عليه قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ