الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: التوبة موجبة لإسقاط العقاب بنفسها]

صفحة 543 - الجزء 2

  من كلامه أنه إنما يخالف في جواز إطلاق لفظ الوجوب، وأنه تعالى لو أخل بذلك لقدح في العدل والحكمة، فقد عاد كلامه في المعنى إلى إيجاب قبول التوبة وإن تحاشى في العبارة.

  وأما الجلال فهو بنى الكلام في ذلك على مسألة الإرجاء، وهو أن العاصي تحت المشيئة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه تاب أو لم يتب، وشنَّع على من قال بوجوب التوبة.

  فظاهر كلامه الخلاف في المسألة في اللفظ والمعنى، فلو عذب التائب لم يقدح ذلك في العدل والحكمة، وهو باطل بلزوم عدم الفرق بين التائب والمصر ولزوم عبث شرعية التوبة وإيجابها على المكلف، ولزوم الإغراء بالقبيح وعدم المسارعة إلى التوبة؛ لأن التائب إذا كان لا يقول: إن الله يقبل توبته لا محالة ولو كانت نصوحاً لم يكن له داع إليها، حيث يجوز التعذيب معها، فيؤدي إلى الإياس والقنوط من روح الله، فظهر لك الفرق بين كلام السيدين في المعنى، وإن اتفقا في العبارة أنه لا يجب على الله قبول التوبة. وقلنا: «بنفسها» إشارة إلى قول من قال: إنما تُسقط العقاب بكثرة ثوابها، قال الإمام المهدي # في الرد عليه: قلنا: يستلزم كون ثوابها أكثر من ثواب النبوة، وهو باطل قطعاً. انتهى، ووجهه أنا قد علمنا أن الشرك يحبط ثواب النبوة ويبطله؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر ٦٥]، وكذلك الركون إلى الكفار؛ لقوله تعالى: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}⁣[الإسراء ٧٥]، بل ذلك في حق الملائكة $ مع ما ثبت أنهم أفضل من الأنبياء $، قال تعالى في شأنهم: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}⁣[الأنبياء ٢٩]، فلو كانت التوبة إنما أسقطت العقاب بكثرة ثوابها لا بوقوعها في نفسها من التائب للزم أن يكون ثوابها أكثر من ثواب النبوة، فيلزم أن التائب من الشرك أفضل من النبي، بل من المَلَك، وذلك باطل إجماعاً، هكذا ذكر معناه شارح القلائد، ومثله ذكر القرشي.