الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

(التوبة)

صفحة 544 - الجزء 2

  ولقائل أن يقول: لا يُسلم صحة هذا الكلام؛ لأن المراد أن من أشرك ثم تاب صار ثواب توبته أكثر من عقاب شركه، ولا يلزم أن يكون أكثر من ثواب النبوة؛ لأن الثواب المعدود للنبوة ما بلغ القدر الذي لا يصل إليه غيره إلا مع عدم ملامسة⁣(⁣١) الشرك، فلو قدر ملامسة الشرك مع النبوة لم يكن ثواب رأساً فضلاً (عن) أن تقع مفاضلة بين هذا الثواب أي: ثواب النبوة المحبط بالشرك وبين ثواب توبة من أشرك، فلا يلزم ما ذكروه من النتيجة الفاسدة أن يكون التائب من الشرك أفضل من النبي، بل من الملك؛ لأن ثواب النبوة في الأصل أكثر من ثواب التائب عن الشرك، وإن كان ثواب النبوة يحبطه الشرك ونحوه لو وقع.

  والتحقيق: أنهم بنوا الجواب على وجوب استواء عقاب الشرك في حق النبي وغيره، ووجوب استواء ثواب من تاب من معصيته في حق النبي وغيره، وهذا إن سلمنا صحته فلا يلزم منه أن يكون ثواب التائب عن الشرك أكثر من ثواب النبي على النبوة؛ لانعقاد الإجماع على أن النبي أكثر ثواباً من غيره، فجوابهم على المنازع في المسألة لا يتضح نهوضه بالمطلوب.

  فالأحسن في الجواب أن يقال: وقع الإجماع على نجاة التائب عن المعصية من دون التفات إلى تزايد أجري الثواب والعقاب، وعلم من ضرورة الدين أن من أشرك عمره ثم تاب وآمن ولو من قبيل الموت بيسير كان ناجياً من النار، ما ذاك إلا أن التوبة تزيل العقاب بنفسها لا بكثرة ثوابها عليه؛ إذ لا طريق إلى العلم بكثرة ثواب من هذا حاله إلا الوحي أو تعمره في الإيمان أكثر من تعمره في الشرك، ولا قائل به، على أن الأخير إنما يفيد الظن، والأول وإن أعلمنا النبي ÷ بأنه سلم من النار ودخل الجنة فلم يعلمنا أنه بسبب زيادة ثواب توبته على عقاب شركه، فنحمله على أن التوبة أسقطت العقاب بنفسها، ويدل عليه قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ


(١) لعلها: «ملابسة».