[مسألة: لا تصح التوبة من ذنب دون ذنب]
  حكموا بصحة إسلامه، بالمعنى الأعم من معنيي الإسلام، وهو الشهادتان، والتبري من سائر الأديان، وتصديق الرسول ÷ في كل ما جاء به.
  دليله أنهم لا يمنعون مناكحته وأكل ذبيحته، وثبوت التوارث بينه وبين المسلمين، وأما قوله: وأنه قد صار حكمه حكم المؤمنين، فمسلم أنه لم يصر حكمه حكم المؤمنين، لكن هذا غير قادح؛ لأن المؤمن من أتى بالواجبات واجتنب المقبحات، فيكون له حكم الفاسق من المسلمين، وأما عدم تسليمه أنه كتب له ثواب الإسلام فالمطلوب في المسألة أنه نجا من عذاب اليهودية، وهو الظاهر واللائق بعدل الله سبحانه؛ لتبريه عن اليهودية وخروجه منها، فكيف يعاقب عليها؟ ومن أين لكم أنه ما نجا من عذاب اليهودية وإن لم يكن له ثواب الإسلام؟ لأن ثواب الإسلام إن أردتم به السلامة من عذاب الكفر الذي خرج عنه فهو محط النزاع، وإن أردتم المنافع والنعيم المقرون بالإجلال والتعظيم فلا يلزم وصوله إليه؛ لمنافاة الفسق وهو غصب العشرة الدراهم استحقاق ذلك.
  وقد حكى القرشي عن الجمهور أنهم احتجوا بأنه لا يصح أن يندم على قبيح لقبحه ولا يندم على ما ساواه في القبح، وقد تقرر في العقول أن من ترك فعلاً لعلة فإنه يجب أن يترك ما ساواه في تلك العلة، وإلا لم يكن قد تركه لتلك العلة، ألا ترى أن من امتنع من أكل رمانة لأنها حامضة فإنه يجب أن يمتنع من كل حامض، وإلا بطل كون علة الترك الحموضة.
  قلت: وهذا كلام جيد صحيح، لكنه يلزم منه أن تصح التوبة من قبيح مع الإصرار على ما هو دونه في القبح، ولا تصح مع الإصرار على ما هو مساوٍ أو أقبح، وهذا هو الحق، وإلا لزم في الملحد النافي للصانع ø أن إذا عرف أدلة إثبات الصانع فآمن به، وعرف النبوة وصدق الرسول ÷، والتزم دينه، وفعل جميع الواجبات، واجتنب جميع المحرمات ما خلا الإصرار على مطل غريمه بعشرة دراهم أن يبقى ملحداً نافياً للصانع ø كافراً بالنبوة، وليس للقاضي في هذا