(التوبة)
  أن يقول: إنما خرج عن الإلحاد ولم يدخل في الإسلام؛ لأنا نقول: إنما خرج عن الإلحاد بالدخول في الإسلام، وهو معرفة الصانع والنبوة، والتزام دين الإسلام، مع التبري عن سائر الأديان، وأيضاً يلزم في البغاة من المسلمين والسرق والزناة أن لا يصح لهم توبة عن البغي والسرقة والزنا؛ إذ ما من أحد من المسلمين إلا وله معصية قد لا يتوب عنها لاعتقاد صغرها في جنب طاعاته، أو اتكالاً على العفو والشفاعة، أو لتسويفه بالتوبة حتى أدركه الموت. وهذا إن التزمه من أثبت الموازنة ولم يقل بصحة التوبة عن القبيح مع الإصرار عما(١) هو دونه في القبح بطل مذهبه في الموازنة، وإن لم يلتزمه خرج من مذهبه في المسألة.
  فأما مع الإصرار على ما هو مساوٍ أو فوقه في القبح فلا شك أن ذلك لا يصح إن أريد بالصحة وصول ثواب التوبة؛ لمنافاة عقاب الأقبح والمساوي ثواب التوبة عن الأدنى، وإن أريد بها السلامة من عقاب الأدنى الذي تاب عنه فيحتمل ويحتمل، والأرجح والله أعلم سلامته من عقاب الذي تاب عنه، ولعل ذلك هو المراد من إطلاق المؤيد بالله # بصحة التوبة من قبيح مع الإصرار على قبيح آخر مطلقاً، فيعود خلافه في الظاهر إلى وفاق من تقدمه من الأئمة $ في المعنى، والله أعلم.
  وهذا لا ينافي {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}، وأنه لا يصح الاعتذار من إساءة دون إساءة؛ لأن من تاب من القبيح الأعظم واعتذر عن الإساءة العظمى فقد صار متقياً لعقابه ومعتذراً عن الإساءة العظمى؛ بدليل أن إذا كان للملك على أحد من الرعية حجة عظيمة، فجاءه وتخلص عنها بتسليم ما يلزم فيها من مال أو بذل لقصاص في أحد الأطراف حسن بل وجب قبول ذلك وإن بقي عند ذلك الشخص حقوق جزئية يسيرة، فيطالب بها على حالها إن لم يسمح عنها، والله أعلم.
  وقد لزم من هذا أَنَّ الكبائر لا تصح التوبة من بعضها دون بعض إن فسرنا
(١) «على ما» ظ.