الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[مسألة: في إسقاط العقاب عند التوبة]

صفحة 550 - الجزء 2

  قال النجري في حكاية متمسك أبي القاسم ما لفظه: ووجه الفرق أن إحباط الثواب عقاب كما تقدم، وقد سقط العقاب بالتوبة فيعود الثواب، بخلاف إسقاط العقاب عند التوبة فإنه تفضل وجود عنده، فلا يجوز الرجوع فيه بعد بطلان التوبة.

  قلت: ويدل عليه قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}⁣[الفرقان ٧٠]، فإذا كانت السيئة في نفسها تبدل حسنة فبالأولى أن يعود ما قد كان أحبطته السيئة، قال الناصر للحق # في كتاب البساط في تفسير هذا: أعلمنا الله سبحانه وتعالى أن العبد إذا تاب رد عليه ما بطل من عمله، وجعل بدل سيئاته حسنات. ولما وافق الإمام المهدي # البصرية في عدم رجوع ما أحبطته المعصية من الثواب خالفهم في أنه يتجدد له في المستقبل استحقاق الثواب على طاعاته الماضية التي قبل المعصية؛ لأنها أي: الطاعة في حكم الباقية بذاتها، وإنما أحبطت الكبيرة ما قد كان حصل له منها من الثواب، فحيث تاب عن الكبيرة تجدد الاستحقاق في المستقبل يعني من بعد التوبة واستحق عليها من الثواب كما يستحق على الطاعات المستقبلة.

  قال النجري: وهو اللائق بالعدل والحكمة، وإلاَّ لزم التساوي بين من قطع عمره في عبادة الله وطاعاته ثم فعل كبيرة ثم تاب عنها قبل موته، وبين من قطع عمره في عصيان الله والكفر به ثم تاب قبل موته، والفرق بينهما مما لا يشك فيه. واعترضهم شارح الأساس #، وقال ما لفظه: ثم نقول: وما دليلكم على أن ثواب الطاعة إنما حصلت كثرته بتزايد الأوقات، وأنه لم يعده الله كثيراً من غير مرور الأزمان؟ لأن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بذلك، بل أخبرنا أنه كثير دائم غير منقطع.

  قلت: كلامه مستقيم فيما كان يتجدد ثوابه من الطاعات، كالصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، ونحو ذلك، وينظر ما أراد بهذا الاعتراض عليهم؟ لأنه هو والإمام القاسم قد ذهبا @ في الأساس وشرحه إلى موافقة من قال: إنه لا يعود