(فصل:) في الكلام في الموت والفناء وبعض أحوال الآخرة
  الأولى: النفخة، والصاعقة: النازلة من الرعد، والجمع صواعق، ولا تصيب شيئاً إلا دكته(١) وأحرقته انتهى.
  قلت: ومنه قصة موسى # مع السبعين الرجل لما ذهب إلى الجبل، فإنهم لما قالوا: «أرنا الله جهرة» صعقوا وماتوا لما أخذتم الصاعقة، وخر موسى صعقاً أي: مغشياً عليه لما سمع الصاعقة، أو لما رأى من موتهم وتدكدك الجبل وأخذهم بالرجفة، فقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}، أي: خاف خوفاً شديداً؛ ولأجل ذلك مات كل حي في السماوات وفي الأرض إلا من شاء الله، أو غشي عليه، فنفخة الفزع ونفخة الصعق واحدة عندها حصل الأمران: الخوف والموت أو الغشيان إلا لمن شاء الله.
  وقد اختلف من المراد بالاستثناء، قال في الكشاف: إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة، قالوا: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت $. وقيل: الشهداء. وعن الضحاك: الحور وخزنة النار وحملة العرش. وعن جابر: منهم موسى #؛ لأنه صعق مرة. انتهى.
  وعلى هذا أن المراد بالصعق الغشيان وزوال العقل، دون الموت، فكل أحد ميت عند أجله. وقيل: المراد: يموت كل حي إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش، ثم يموتون بعد ذلك. هذا على القول بأنها نفختان فقط، فأما على القول بأنها ثلاث: واحدة عندها يقع الفزع، وواحدة عندها يقع الصعق، والثالثة نفخة القيامة فلعل أن الاستثناء كذلك، وكل على أصله.
  والأظهر والله أعلم أن المرادَ بالاستثناء كلُّ المؤمنين الذين لا خوف عليهم من النار ولاهم يحزنون، فيعم من ذكر وغيرهم من سائر المؤمنين، ويكون المراد بالفزع الخوف، والمراد بالصعق الغشيان وزوال العقل لشدة الصعق وشدة الوقعة وهول
(١) في المخطوط: أدركته، وما أثبتناه من (المصباح).