فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  طَعْمُهُ؟ وماذا لونه؟ وماذا خواصه ومدة لبثه في الوجود؟ ومتى عَدِم؟ فيعلم سبب عدمه، على أنه لا حصر لتلك الأسباب لتعددها بتعدد الذوات التي طرأ عليها العدم إلا للعليم بكل شيء سبحانه وتعالى، ونسبة كل جوهر من الآخر باعتبار القَبْلِيَّة والبَعْدِيَّة والمصاحبة، على جهة التلازم أو عدمه، فإذا فرغ من كتب جميع الكلمات المعبر بها عن جميع الأحوال المذكورة في جميع الجواهر الدنيوية والأخروية، ثم أخذ في كتب أحوال ما هو قادر عليه وهو مثل ذلك كله، ثم أخذ في كتب أحوال مثل ذلك ثم كذلك، فلا بد قطعاً ينفد هذا البحر وتنفد بعده السبعة البحار وأكثر منها، وجهة الإمكان والقادرية لله تعالى باقية مفتوحة لا تنسد إلى ما لا نهاية له. فقال: صحيح صدقتم، بهذا يعلم مصداق الآية الكريمة مع قطع النظر عن قائلها الذي هو أصدق القائلين، هذا معنى ما جرى من المذاكرة وأكثره باللفظ، والله ولي التوفيق.
  وأما الاعتماد على مجرد الآية وأنها كلام أصدق القائلين فإنما يفيد العلم على القول بالعدل، دون القول بالجبر؛ لأنه لا يمتنع على أصول المجبرة أن يدخلَ الكذبُ في خبره، تعالى عن ذلك؛ إذ ليس بمنهي أنْ يخبر عن شيء بخلاف ما هو عليه، فلا تفيد الآية على قولهم: إن الأمر في شأنه تعالى كما ذكر؛ لاحتمال الصدق والكذب فيها على أصلهم الباطل.
  وأما على أصل العدلية من أن الكذب قبيح لأجل ذاته لا لأجل النهي عنه، وإنما النهي من لوازمه اللازمة لقبحه - فلا يتأتى تجويز الكذب في خبره تعالى، فهو أصدق القائلين عند العدلية يقيناً، وعند المجبرة تسليماً ظاهراً، وأما باطناً فهو على مذهبهم الباطل وأصلهم العاطل أكذب الكاذبين؛ لأن كل كذب في الواقع من ابتداء التكليف إلى منقطعه فالله عندهم فاعله وخالقه ومريده ومقدره، وكل كذب مُجَوَّزُ الوقوع مما لم يكن قد قال به أحد - كأن يذهب بعض الكفار إلى القول أن الآلهة التي لها ملك السماوات والأرض هي ثلاثون أو