[عذاب القبر]
  {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر ١١]، قال الشارح: فأثبت موتتين، فإحداهما هي التي في الدنيا، والأخرى لابد أن تكون قبل الحشر؛ لأنه لا موت بعد الحشر، فلا بد من حياة بين الموتتين ضرورة، وحينئذ لا فائدة في تلك الحياة إلا لعقاب أو ثواب، وإلا كان فعلها عبثاً، والعدل الحكيم منزه عنه، وحينئذ فقد ثبت عذاب القبر بين الموتتين، وهو المطلوب.
  قال: فإن قيل: يلزم أن تكون الإحياءات ثلاثا: واحدة في الدنيا، وواحدة بين الموتتين، وواحدة وقت المحشر، وهو مخالف للآية الكريمة، فإنه جعل الحياة فيها اثنتين فقط.
  قلنا: قد أجاب عنه الشيخ أبو علي في تفسيره، وقال: إن إثبات حياتين لا ينفي ثالثة؛ إذ لا يؤخذ بمفهوم المخالفة، ولو لم يجعل إلا حياتين فقط لزم أن لا يثبت إلا موتة واحدة، وهو خلاف منطوق الآية، ومخالفة المفهوم لا سيما وهو غير مأخوذ به أولى من مخالفة المنطوق الذي هو مأخوذ به. وقد ذهب بعضهم إلى إثبات حياتين فقط: حياة الدنيا وحياة المحشر، وإثبات موتتين: إحداهما حقيقة، وهي موتة الدنيا، والأخرى مجاز، وهي حال كون الإنسان نطفة مواتاً، قال: وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[البقرة ٢٨]، فإنه أثبت الموتتين والحياتين على ما ذكرنا.
  وجوابه: أن تسمية النطفة مواتاً مجاز، والأصل هو الحمل على الحقيقة حيث لا مانع على ما تقدم. انتهى كلامه ¦.
  وقد استدل القرشي ¦ بقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}[نوح ٢٥]، والفاء للتعقيب، قال: وهذا جيد إن كان هو المراد بالإغراق الموت.
  وقد اعترض على الاستدلال بالثلاث الآيات باعتراضات لا حاجة في