الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[من أحوال الآخرة: وضع الميزان]:

صفحة 582 - الجزء 2

  قلت: لا مانع أن يجعلها الله تعالى قادرة على الكلام من دون أن يخلق لها ما ذكره من الآلة؛ لأنه تعالى على كل شيء قدير، فلا حاجة إلى ما ذكر من التكلف الوارد عليه أن يصير الإنسان الواحد حيوانات متعددة كل واحد منها إنسان على حدته، وهذا هو الوجه الثالث من وجوه حمل الكلام على حقيقته، ولا مجاز معه في شيء، فلعله أرجح، والله أعلم.

  وأما إذا جعل الكلام مجازاً فله وجهان: أحدهما: أنه لسان حال كما تقدم، وثانيهما: أنه بطبع العضو حينئذ، وهو قول أبي الهذيل ومعمر من المعتزلة، وينظر ما أراد بطبع العضو: هل يكتب فيه العمل، أم طابع يكون في العضو يدل على العمل، أم يتكلم العضو بطبعه؟ وعلى كل حال فلا شك في ضعف هذا القول، قال النجري: وهو بناء على أن المتوالدات بطبائع المحال، وقد تقدم إبطال مذهبهم في موضعه. انتهى.

[من أحوال الآخرة: وضع الميزان]:

  (و) من أحوال الآخرة (وضع الميزان) كما قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}⁣[الأنبياء ٤٧]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٧ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ٨ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ٩ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ١٠ نَارٌ حَامِيَةٌ ١١}⁣[القارعة]، وقال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ١٠٢ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ١٠٣}⁣[المؤمنون]، وهو معلوم من الدين ضرورة، ولا خلاف في إثبات الميزان في الآخرة على الجملة.

  واختلف هل هو على حقيقته ميزان ذو كفتين وعمود على حسب الميزان الذي يوزن به الموزونات في الدنيا أم تمثيل، فهو مجاز عن عدل الله تعالى وتقصي ما هو للإنسان أو عليه من الأعمال، والمجازاة عليها بما يلزم من ثواب