[من أحوال الآخرة: وضع الميزان]:
  أو عقاب، من دون حيف ولا ميل ولا إهمال لأي شيء ولو مثقال حبة من خردل، فكأنه يعاملهم بميزان حقيقي لا تميل كفة بأحد الموزونين إلا لرجحانه على ما في الأخرى، فيكون لفظ الميزان استعارة تمثيلية، وما ورد من ذكر اللسان والعمود والكفتين في الأحاديث فترشيح للاستعارة.
  فذهب الجمهور على رواية القرشي والنجري وشيخنا ¦ في السمط إلى الأول، وهو: أنه ميزان على الحقيقة ذو كفتين، والموزون إما نور علامة الخير وظلمة علامة الشر، أو صحائف الحسنات وصحائف السيئات؛ لأن وزن الأعمال مستحيل وهي أعراض قد انقضت؛ للآيات الواردة به، والأصل الحقيقة، ولا مانع منها، ولما روي عنه ÷: أنه يكون عند كل كفة ملك، فإن رجحت كفة الخير نادى: ألا إن فلاناً قد سعد سعادة لا شقاوة بعدها أبداً، وإن رجحت كفة الشر نادى: ألا إن فلاناً قد شقي شقاوة لا سعادة بعدها أبداً، ذكره القرشي، قال: وفائدة ذلك تعجيل المسرة أو الغم، فيكون ذلك جارياً مجرى الثواب أو العقاب، ويكون في العلم به لطف للمكلفين في الدنيا. وذهب الإمام القاسم بن محمد @ وحكاه جمهور أئمتنا $ إلى الثاني، وهو: أنه مجاز عن عدل الله تعالى وإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب النصفة، من دون ميزان حقيقي. قال شيخنا ¦: وهو نص زيد بن علي @، والهادي، والمتوكل، والسيد حميدان، وسيد المحققين، ومجاهد، وغيرهم. قال النجري: واحتج أهل هذا القول بأن نصب الموازين ذلك اليوم مما لا فائدة فيه؛ لعلم الخلق بعدل الله سبحانه وحكمته، ومقادير ما يستحقونه من الثواب والعقاب علماً ضرورياً، بل ذكر الإمام والشارح أن ذلك لا طائل تحته فلا يجوز على الله تعالى؛ لأنه قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح، ثم إن أهل القولين جميعاً استدلوا بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، فاستدلال الأولين من حيث إن الموازين جمع ميزان، ووضعها: نصبها للوزن بالقسط. واستدلال الآخرين من حيث إنه جعل الموازين نفس القسط، وهو الحق وعدم الميل والحيف.