فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  أربعون أو نحو ذلك من أنواع الكفر التي لم يكن قد ذهب إليها قائل - فإن مذهب المجبرة يقضي بجواز أن يخبر الله سبحانه وتعالى بذلك، ويُعْلِمَ الخلقَ ويتعبَّدَهم به؛ لأنه غير منهي عنه، وهذه من أعظم فواقرهم، فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون، وهذا كالخارج عما نحن بصدده إلا أنه انْجَرَّ إليه الكلام استطراداً من الاستدلال بالآية الكريمة.
  الثالث: أن الله تعالى قادر على فعل القبيح، ولكن يستحيل حصوله منه تعالى من جهة كونه عدلاً حكيماً، لا من جهة أنه عاجز عنه فلا، بل هو على كل شيء قدير، وهذا قول أئمتنا $ والجمهور، خلافاً للنظام والمجبرة.
  أما النظام فشبهته أنه لا يمكن أن يفعل القبيح إلا مع الحاجة إليه أو الجهل بقبحه، وكلاهما محال، وما تفرع على المحال فهو محال.
  قلنا: لكن هذا لا يستلزم خروجه عن كونه قادراً عليه، وإنما يستلزم ألَّا يفعله لئلا يكون محتاجاً أو جاهلاً، فينزه عن فعل القبيح كالظلم والكذب لذلك لا لكونه غير قادر عليه، ولأن المعلوم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}[محمد ١٩] أنه تعالى قادر على حذف «إلَّا» فيصير الخبر كذباً، وأن يعذب الطفل والمؤمن بغير ذنب فيصير التعذيب ظلماً.
  وأما المجبرة فبناءً على أصلهم أن قبح القبيح للنهي عنه فلا يقدر على القبيح؛ لاستحالة المقتضي لقبحه وهو النهي.
  وقال أبو الحسين والشيخ محمود: إنه ممكن منه تعالى بالنظر إلى القادرية، مستحيل بالنظر إلى الداعية.
  وهذا في المعنى كالأول، إلا أنه لا يجوز عندنا إطلاق الداعية على الله؛ لإيهام الحاجة، ذكره شيخنا ¦.
  الرابع: أن الله تعالى يقدر على عين ما قدر عليه العبد؛ لأنه من جملة الممكنات، فوجب شمول قادريته تعالى على مقدورات العباد، ولأنه قادر على ذلك قبل وجود