فصل: في الكلام في أن الله تعالى قادر
  خلقه، فلا يمنع من ذلك وجودهم، ولأنه يلزم ألَّا يكون قادراً إلا على مقدور لا قادر عليه؛ فيلزم تعجيزه تعالى، ذكره شيخنا ¦ عن قدماء أئمتنا $، قال: كذا قالوا، ولم أجده. وقال القرشي في المنهاج وحكاه عن الجمهور: إنه محال، وهو ظاهر عبارات أكثر المتأخرين كالنجري والمهدي # وغيرهم.
  قلت: هذه المسألة التي يُعَبِّرُ عنها كثيرٌ من المتكلمين بقولهم: مقدور بين قادرين، وعبر عنها القرشي بقوله في بعض المواضع: تَزايدُ الوجود، وربما يتوهم بعضهم أنها مسألة تحصيل الحاصل؛ فينبغي تفصيل الكلام في ذلك، وبيان مواضع الخلاف والوفاق من ذلك، وبيان ثمرة كل ما هنالك، فأقول - وبالله التوفيق -: الذي يظهر - والله أعلم - أنها ثلاثة أطراف:
  الأول: ما تصدر به البحث، وهو أن الله تعالى قادر على عين ما قدر عليه العبد.
  الثاني: مسألة مقدور بين قادرين.
  الثالث: مسألة تحصيل الحاصل.
  فبعض العلماء يجعل الجميع شيئاً واحداً، ويحيلها جميعها؛ لأنها عنده ترجع إلى تحصيل الحاصل، وبعضهم يفرق بينها، ويصحح الأول دون الأخيرين، وبعضهم يصحح الأولين، واتفقوا على إحالة الثالث.
  أما الطرف الأول: فقد تقدم الكلام فيه بما هو الحق الذي دلت عليه الأدلة المذكورة؛ ولأنه من جملة الأشياء الممكنة في ذاتها، فدخل في عموم قولنا: «إنه تعالى قادر على كل شيء»، فلا وجه لإحالته. وجعلُهم له من باب تحصيل الحاصل غيرُ مسلم؛ لأنا نفرض الكلام - مثلاً - في كتابة ﷽ أو نقل حجرة من مكان إلى غيره، فإن كتابة ذلك ونقل تلك الحجرة مقدور لزيد، ولا شك أن الله تعالى قادر على ذلك؛ فقد قدر تعالى على عين ما قدر عليه العبد بلا شك، فقد حصل مطلوبنا، ولا أظن أحداً يخالف في ذلك.
  وثمرةُ القول بذلك عدمُ لزوم تعجيز الله تعالى، ووصفُهُ بشمول قادريته تعالى